عدم اعتبار الإسلام في تذكية السمك

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يُعتبر في تذكية السمك أنْ يكون الصائدُ مسلماً؟

الجواب:

المشهور بين الفقهاء عدم اعتبار إسلام الصائد في تذكية السمك بل نُسب لابن إدريس دعوى الإجماع على عدم اعتبار إسلام الصائد(1) فيكفي في تحقُّق التذكية للسمك إخراجه من الماء حيَّاً وإنْ لم يكن المُخرجُ له والصائدُ له مسلماً، وفي مقابل ما عليه المشهور نُسب إلى الشيخ المفيد القول باعتبار إسلام الصائد، وكذلك احتاط ابن زهرة فيما يصيدُه غير المسلم(2).

مستند المشهور:

أمَّا مستندُ المشهور في عدم اعتبار إسلام الصائد فرواياتٌ مستفيضة عن أهل البيت (ع):

منها: صحيحة أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ صَيْدِ الْمَجُوسِيِّ لِلسَّمَكِ حِينَ يَضْرِبُونَ بِالشَّبَكِ ولَا يُسَمُّونَ وكَذَلِكَ الْيَهُودِيُّ؟ فَقَالَ: "لَا بَأْسَ إِنَّمَا صَيْدُ الْحِيتَانِ أَخْذُهَا"(3).

فالرواية صريحة في نفي البأس عمَّا يصيده المجوسي واليهودي ثم أفاد(ع) أنَّ صيد الحيتان أي تذكيتها يتحقَّق بأخذها، ومقتضى ذلك هو أنَّ دين الآخذ غير معتبرِ في تحقُّق التذكية، فالسؤال وإنْ كان عن صيد المجوسيِّ واليهودي إلا أنَّ قوله (ع) "إِنَّمَا صَيْدُ الْحِيتَانِ أَخْذُهَا" في مقام التعليل لنفي البأس عن صيد المجوسي واليهودي يقتضي استظهار أنَّ دين الصائد غير معتبر في التذكية وهو معنى عدم اعتبار إسلام الصائد في تذكية السمك.

ومنها: صحيحة سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الْحِيتَانِ الَّتِي يَصِيدُهَا الْمَجُوسِيُّ؟ فَقَالَ: "إِنَّ عَلِيّاً (ع) كَانَ يَقُولُ: الْحِيتَانُ والْجَرَادُ ذَكِيٌّ"(4).

ودلالة الصحيحة على نفي اعتبار إسلام الصائد تنشأُ عن ملاحظة أنَّ السؤال كان عن صيد المجوسي، فقوله (ع) في مقام الجواب أنَّ الحيتان ذكيٌّ ظاهرٌ في عدم مانعية كون الصائد مجوسيَّاً للحليَّة، بل هو ظاهرٌ في أنَّ هوية الصائد غير ملحوظة فيما تتحقَّق به تذكية السمك، وهو معنى عدم اعتبار إسلام الصائد.

ومنها: صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّه سُئِلَ عَنْ صَيْدِ الْمَجُوسِيِّ لِلْحِيتَانِ حِينَ يَضْرِبُونَ عَلَيْهَا بِالشِّبَاكِ ويُسَمُّونَ بِالشِّرْكِ؟ فَقَالَ: "لَا بَأْسَ بِصَيْدِهِمْ، إِنَّمَا صَيْدُ الْحِيتَانِ أَخْذُه"(5).

فقوله (ع) "إِنَّمَا صَيْدُ الْحِيتَانِ أَخْذُه" كان في مقام التعليل لنفي البأس عن صيدهم، وظاهرُ ذلك هو أنَّه لا يُعتبر في تحقُّق التذكية للسمك أكثر من أخذه، وأما هويَّةُ ودينُ مَن أخذه فغير معتبرٍ في تحقُّق التذكية.

الاستدلال لدعوى اعتبار الاسلام في تذكية السمك:

وأمَّا ما يُمكن الاستدلال به لدعوى اعتبار إسلام الصائد في تذكية السمك فعددٌ من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):

الأولى: صحيحة الحلبي قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن صيد الحيتان وإنْ لم يسمِّ؟ فقال: لا بأس به، وسألتُه عن صيد المجوس للسمك آكله؟ فقال: "ما كنتُ لآكله حتى أنظرَ إليه"(6).

الثانية: صحيحة محمد بن مسلم قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن مجوسيٍّ يصيد السمك أيؤكلُ منه؟ فقال: "ما كنتُ لآكله حتى انظرَ إليه"(7).

والاستدلال بهاتين الروايتين لا يتمُّ، فقوله (ع): "ما كنتُ لآكلُه حتى انظرَ إليه" معناه أنَّه لا يصحُّ الاعتماد على إخبار المجوسي أنَّه قد أخرجه من الماء حيَّاً، بل لابدَّ من رؤية المجوسي وهو يُخرِجُ السمكَ من الماء حيَّاً، إذ أنَّ يدَه ليست أمارة على التذكية وأنَّه قد أخرجه حيَّاً كما هي يدُ المسلم وكذلك فإنَّ إخباره فاقدٌ للحجيَّة، ولهذا أفاد الإمام (ع) أنَّه ما كان ليأكله حتى ينظر إليه وهو يُخرجه من الماء حيَّاً.

فالروايتان لا تدلان على اشتراط إسلام الصائد بل هما دالَّتان على عدم اشتراط الإسلام، فإنَّ مفاد الروايتين هو أنَّه (ع) لو رأى المجوسي وهو يُخرجُ السمك من الماء حيَّاً لأكله، ومقتضى ذلك هو عدم اعتبار إسلام الصائد وإلا لم يجز الأكل من السمك الذي يصيده المجوسي نظر إليه حين صيده أو لم ينظر. فجواز أكلِه في فرض نظره إليه وهو يصيده ظاهرٌ في عدم اعتبار الإسلام في الصائد، غايته أنَّ اعتبار النظر -والذي هو بمعنى الاطلاع والإحراز- نشأ عن أنَّ يدَ المجوسي وإخباره ممَّا لا يصح الاعتماد عليهما لإحراز إخراج السمك من الماء حيَّاً. فمفروض جواب الإمام (ع) هو أنَّ المكلف لو وجد سمكاً ميتاً في يد المجوسي فإنَّه لا يصحُّ الأكل منه حتى لو أخبر أنَّه قد أخرجه من الماء حيَّاً.

الثالثة: رواية عيسى بن عبد الله قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن صيد المجوس فقال: "لا بأس إذا أعطوكَه حيَّاً، والسمك أيضا وإلا فلا تُجِز شهادتهم إلا أن تشهده أنت"(8).

وهذه الرواية لا تدلُّ أيضاً على اعتبار إسلام الصائد بل تدلُّ على عدم اعتبار الإسلام، فإنَّ قوله (ع): "إلا أنْ تشهده أنت" معناه أنَّ صيد المجوسي محكوم بالحليَّة إذا شهده المكلَّف حال صيده، فالمنعُ عن البناء على تذكية صيد المجوسي إنَّما هو في فرض عدم شهودِه حال صيده، لأنَّه لا طريق غالباً في فرضِ عدم شهوده إلى إحراز أنَّه قد أخرجه حيَّاً سوى يده أو إخباره وكلاهما لا يصحُّ اعتماده.

وخلاصة القول: إنَّ الصحيح هو ما عليه المشهور من عدم اشتراط إسلام الصائد في تذكية السمك، فالسمكُ الذي يصيده غير المسلم ويُخرجه من الماء حيَّاً محكومٌ بالتذكية غايته أنَّه لابدَّ من إحراز إخراجه من الماء وهو حيٌّ، فمع الإحراز يكون محكوماً بالحليَّة وإنْ كان الصائد له غير مسلم، نعم ليس من وسائل الإحراز لإخراجه حيَّاً يدُ غير المسلم أو إخبارُه، ففي فرض وجدان السمك ميتاً في يد غير المسلم يكون محكوماً بعدم التذكية وإنْ أخبر بأنَّه قد تمَّ إخراجه حيَّاً، وذلك لأنَّ خبره فاقدٌ للحجيَّة ويده ليست أمارة على التذكية.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

7 ربيع الأول 1445ه

23 سبتمبر 2023م

----------------------------

1- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج36 / ص167، مستند الشيعة -المحقق النراقي- ج15 / ص470

2- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي-ج36 / ص168، مستند الشيعة -المحقق النراقي- ج15 / ص471

3- الكافي -الكليني- ج6 / ص217، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 24 / ص77

4- الكافي -الكليني- ج6 / ص217، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 24 / ص76.

5- الكافي -الكليني- ج6 / ص217، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 24 / ص78.

6- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج9 / ص9، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 24 / ص75.

7- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج9 / ص9، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 24 / ص76.

8- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج9 / ص9، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 24 / ص76.