تأبين السيد جواد الوداعي 

 

الحمد لله ربِّ العالمين، اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً أَبَداً، أَنْتَ حَسَنُ الْبَلَاءِ، جَلِيلُ الثَّنَاءِ، سَابِغُ النَّعْمَاءِ، عَدْلُ الْقَضَاءِ، جَزِيلُ الْعَطَاءِ، حَسَنُ الآلَاءِ، إِلَهُ مَنْ فِي الأَرْضِ وإِلَه مَنْ فِي السَّمَاءِ، اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ فِي السَّبْعِ الشِّدَادِ، ولَكَ الْحَمْدُ فِي الأَرْضِ الْمِهَادِ، ولَكَ الْحَمْدُ طَاقَةَ الْعِبَادِ، ولَكَ الْحَمْدُ سَعَةَ الْبِلَادِ، ولَكَ الْحَمْدُ فِي الْجِبَالِ الأَوْتَادِ، ولَكَ الْحَمْدُ فِي اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، ولَكَ الْحَمْدُ فِي النَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى، ولَكَ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ والأُولَى، ولَكَ الْحَمْدُ فِي الْمَثَانِي والْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه (ص).

عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ، وأَشْعِرُوا قُلُوبَكُمْ خَوْفَ اللَّه، وتَذَكَّرُوا مَا قَدْ وَعَدَكُمُ اللَّه فِي مَرْجِعِكُمْ إِلَيْه مِنْ حُسْنِ ثَوَابِه كَمَا قَدْ خَوَّفَكُمْ مِنْ شَدِيدِ الْعِقَابِ، فَإِنَّه مَنْ خَافَ شَيْئاً حَذِرَه، ومَنْ حَذِرَ شَيْئاً تَرَكَه.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وإِمَامِ الْمُتَّقِينَ ورَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ وصَلِّ عَلَى عليٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ووَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلِّ على السيدةِ الطاهرةِ المعصومة فاطمةَ سيدةِ نساءِ العالمين، وصلِّ أئمةِ المسلمين، الحسنِ بنِ عليٍّ المجتبى، والحسينِ بن عليٍّ الشهيد، وعليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدين، ومحمدِ بنِ عليٍّ الباقر، وجعفرِ بنِ محمدٍ الصادق، وموسى بنِ جعفرٍ الكاظِم، وعليِّ بن موسى الرضا، ومحمدِ بن عليٍّ الجواد، وعليِّ بنِ محمدٍ الهادي، والحسنِ بن عليٍّ العسكري، والخَلفِ الحجَّةِ بنِ الحسنِ المهدي صلواتُك وسلامُك عليهم أجمعين.

اللهمَّ صلِّ على وليِّ أمرِك القائمِ المهدي، اللهم افْتَحْ لَه فَتْحاً يَسِيراً وانْصُرْه نَصْراً عَزِيزاً، اللَّهُمَّ أَظْهِرْ بِه دِينَكَ وسُنَّةَ نَبِيِّكَ حَتَّى لَا يَسْتَخْفِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ.

أما بعدُ أيُّها المؤمنون:

فإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أحسنَ اللهُ لكم العزاءَ بمُصابِكم بفقدِ سيدِنا الجليلِ السيدِ جوادِ الوداعي (قدَّس اللهُ روحَه الزكيَّة) الذي كان مثالاً للعالمِ الرباني في هدْيه وسَمتِه وسكونِه ووقارِه وتقواه وشدةِ حريجتِه في الدينِ. كانت طلعتُه تُذكِّرُ باللهِ تعالى، وكان بهاءُ وجهِه يُنبأُ عن طويَّةٍ قد غمرتْها السكينةُ، واستحكمَ فيها اليقينُ فصارت مُستودَعاً للاعتزازِ بدينِ الله، وذلك هو سرُّ ما عُرفَ عنه من الإكبار لفرائضِ اللهِ جلَّ وعلا وحرصِه على إقامتِها على أحسنِ ما يَقدرُ عليه، وهو سرُّ حرصِه على الالتزامِ بما ندبَ إليه الرسولُ (ص) وأهلُ بيتِه (ع) من نوافلَ وأذكارٍ وأواردٍ وتلاوةٍ لكتابِ الله تعالى، ذلك هو ما كان يُميِّزُ هذا العبدَ الصالح.

وكان في ذاتِ الوقتِ شديدَ الحرصِ على نشرِ علومِ أهلِ البيتِ (ع) وذلك هو منشأُ تأسيسِه لحوزةِ الإمامِ الباقرِ (ع) وهو منشأُ احتضانِه لطلابِ العلومِ الدينيَّة والاحتفاءِ بهم والسؤالِ عن أحوالِهم والرعايةِ لشئونِهم بما يسعُه، وهو منشأُ دعمِه للمشاريعِ التعليميَّةِ، وكذلك فإنَّ حرصَه على نشرِ علومِ أهلِ البيتِ (ع) هو ما كان يدفعُه لعقودٍ طويلةٍ للتصدِّي دونَ كللٍ ولا سأمٍ للتعليمِ والتوجيهِ والإجابةِ عن الأسئلةِ التي كانت تردُه من مختلفِ مناطقِ البحرينِ، وكذلك فإنَّ هذا الحرصَ هو ما كان يدفعُه لإقامةِ صلواتِ الجماعةِ بنفسِه وبتوجيهٍ منه لطلابِه، وهو ما كان يدفعُه للعملِ الدؤوبِ على إيقافِ الناسِ أثناءَ اقامةِ الجماعاتِ على هدْيِ أهلِ البيتِ (ع) وما كانوا يندبونَ إليه.

كان سماحةُ السيِّدِ يفيضُ عطفاً وشفقةً وحبَّاً للناس، ولذلك كان شديدَ الصلةِ بهم، حريصاً على مشاركتِهم أفراحَهم ومواساتِهم في أحزانِهم، وكذلك فإنَّ ما يفيضُ به قلبُه من حنانٍ ورحمةٍ هو ما كان يدفعُه للحرصِ على مؤازرةِ فقرائِهم بما كان يملكُه من جاهٍ وبما كان يصيرُ في يديهِ من وجوهِ البِرِّ.

وكان لشعورِه بالرأفةِ والحبِّ للناسِ أبلغُ الأثرِ فيما كان يتجلَّى في مواقفِه المُسانِدة لحقوقِ الناس، فلم يكنْ يعبأُ بما قد يَجرُّ عليه ذلك من متاعبَ، لأنَّه كان يجدُ الرضا لربِّه والراحةَ لضميرِه في المؤازرةِ والمسانَدةِ لحقوقِ أبناءِ بلدِه، وذلك هو ما كان يدفعُه للتغاضي عن كلِّ ما قد يكلِّفُه ذلك من عنَتٍ.

كان رحمه اللهُ تعالى ينطلقُ في مواقفِه من رَويَّةٍ وشعورٍ بالمسئوليَّةِ الإلهيَّةِ المُناطةِ بمَن هم في موقعِه من علماءِ الدينِ، وكان يُحسنُ الظنَّ برفقائِه من العلماءِ الأخيارِ وصوابيَّةِ رؤاهم، ويُعوِّلُ في ذلك على فراستِه فراسةِ المؤمنِ الذي ينظرُ بعينِ اللهِ تعالى كما كان يُعوِّلُ في ذلك على معرفتِه الوجدانيَّةِ بشديدِ اخلاصِهم وبُعْدِ نظرِهم ونفاذِ بصيرتِهم وحرصِهم على أنْ يكونوا ما وسعَهم في طاعةِ اللهِ وفي خدمةِ دينِ اللهِ تعالى، لا يَصرفُهم عن هذه الغايةِ صارفٌ، ولا يُثنيهم عنها ما يكبرُ في أعينِ الناسِ أو يستهوي أفئدتَهم.

لذلك كلِّه تناغمتْ مشاعرُهم، فالأرواحُ جنودٌ مجنَّدةٌ ما تعارفَ منها ائتلف، ولذلك أيضاً كانت مواقفُه ومواقفُهم متطابقة، لأنَّهم يَحملونَ الهمَّ الذي يحملُه، فكان لمواقفِه ومواقفِهم أبلغُ الأثرِ في حمايةِ الحالةِ الدينيَّة من الانحسارِ في حُقَبٍ كانت الصولةُ للفكرِ المضادِّ عاليةً، وكان لجهودِه وجهودِهم أحسنُ الأثرِ في تعميقِ الدينِ وشعائرِه في أفئدةِ وأوساطِ المجتمعِ، وكان لشجاعتِه وشجاعتِهم أثرٌ بيِّنٌ في درءِ مخاطرَ لم تكنْ لتُدرأ، وجلبِ مكاسبَ لم يكنْ ليحظى بها الناسُ لولا حزمُه وحزمُهم وثباتُه وثباتُهم. كان يشغلُه ويشغلُهم دينُ الناس وحقوقُهم، فذلك وحدَه ما يُفسِّرُ كلَّ مواقفِهم، فهم لا يبحثونَ بمواقفِهم عن مكسبٍ، ولا ينتظرونَ جزاءً بل يبحثون بما يفعلون عن عذرٍ يعتذرونَ به عند ربِّهم يوم يسألُهم عن التكليفِ الذي اناطه بهم، فأبصارُهم شاخصةٌ لذلك اليومِ ولتلك المُساءلةِ، والآخرونَ يحسبونَ أنَّهم يبحثونَ عمَّا يبحثُ عنه الغافلون.

فلْيُهنئْك الرقاد يا بنَ الأمجادِ بعد طولِ عناءٍ بذلته لربِّك ودينِك وسيظلُّ اسمُك محفوراً في ذاكرةِ الأعقابِ وأعقابِ الأعقابِ، فما آثرتَ على دينِك وما طمحتَ فيما دون مرضاةِ ربِّك ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ تلك هي العاقبةُ التي نسألُ اللهَ تعالى أنْ يمنحَها فقيدَنا الذي أوجعَ قلوبَ المؤمنينَ رحيلُه. اللهم تغمَّد مثواه برحمتِك، واجعل مُستقرَّه في جوارِك، ولقِّهِ من عندِك ما كان يأمَلُه من قُربِك ورضوانِك، وابعثْه اللهمَّ في ركبِ أوليائِك ونجبائِك الذين استخلصتَهم لدينِك وحبوتَهم فضلَك وكرامتَك ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾.

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمدٍ الطيبينَ الطاهرينَ الأبرارِ الأخيار، اللهم اغفرْ ذنوبَنا واستُرْ عيوبَنا واكشِفْ ما نزلَ بنا، وارحم موتانا وشهداءَنا وفكَّ أسرَانا، وأرجعْ مسافرينا واشفِ مرضانا وجرحَانا، اللهمْ اغفرْ للمؤمنين والمؤمناتِ والمسلمين والمسلماتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ تابعِ اللهمَّ بيننا وبينهم بالخيراتِ إنَّك مولانا مجيبُ الدعواتِ وغافرُ الخطيئاتِ، ووليُّ الباقياتِ الصالحاتِ إنَّك على كلِّ شيءٍ قديرٌ شهيد.

﴿إِنَّ اللَّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإِحْسَانِ وإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ويَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ والْمُنْكَرِ والْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

خطبة الجمعة - الخطبة الثانية - الشيخ محمد صنقور

15 من جمادى الآخِرة 1437هـ - الموافق 25 مارس 2016م

جامع الإمام الصّادق (عليه السّلام) - الدّراز