معنى ما رُوي أنَّ: دفن البنات من المكرمات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

سماحة الشيخ

ما رأيكم في مقولة: دفن البنات من المكرمات، والتي قد تعني منعها من الخروج من المنزل إلا إلى القبر؟

 

الجواب:

هذه الرواية واردة من طرق العامَّة عن ابن عباس قال لما عُزِّي رسول الله (ص) على ابنته رقيَّة امرأة عثمان بن عفان قال: الحمد لله دفنُ البناتِ من المكرمات"(1) وقد علق على سندها الفتني بقوله: فيه ضعاف وشيخنا يحلف بالله عز وجل ما قال (ص) من هذا شيئا قط"(2).

 

وورد قريب منها عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): "دفن البنات من المكرمات" علق عليه ابن الجوزي في الموضوعات بقوله: لا يصح عن رسول الله (ص) وقال: أمَّا حديث ابن عمر فتفرَّد به محمد بن معمر عن حميد بن حماد. قال ابن عدى: حميد تحدث عن الثقاة بالمناكير"(3).

 

وأمَّا مفاد الرواية فهي ليست ظاهرة فيما ذكرتم، فالمناسب أنْ يكون المراد من الرواية هو أنَّ دفن البنات -والذي هو كناية عن موتهنَّ- من موجبات تكريم الله تعالى لآبائهن، وذلك بأنْ يمنحهم عِوَض فقدِهم الأجرَ والثواب الجزيل والدرجاتِ الرفيعة، ولو كان المراد من الرواية هو الكناية عن منعها من الخروج إلا إلى القبر فأيُّ معنىً لذكر البنات دون الأخوات والزوجات، فالمناسب -لو كان المراد من الرواية المعنى المذكور- هو أنْ يُقال: دفنُ المرأة من المكرمات أو دفنُ الأنثى من المكرمات، فتخصيصُ البنات بالذكر يؤكِّد أنَّه لا ربط للرواية بالمعنى المذكور بل هي بصدد بيان أنَّ فقد البنات موجِعٌ لقلوب آبائهن لذلك يُعوِّضُ الله تعالى الآباء عن فقدهنَّ بالمكرمات أي أنَّه تعالى يكرمهم بأن يمنحهم من فضله وعطائه وجزيل ثوابه، فهو لا يمنح الأزواج أو الإخوة بما يمنحُ الآباء لأنَّ مصيبة الآباء بفقد بناتِهم أشدُّ وأقسى على قلوبهم من مصيبة الأزواج والإخوة بفقدهن.

 

ثم إنَّ القول بأنَّ المراد من الرواية هو المعنى الذي ذكرتم يقتضي أن يكون مؤدَّى الرواية هو أنَّ موت البنات راحة للآباء وخلاص من ابتلاء فينبغي أنْ يكون موتهن باعثاً على البشرى والاغتباط وهذا المعنى منافٍ للكثير من الروايات التي تحث على الرغبة في إنجاب البنات والاستبشار بهنَّ:

 

منها: معتبرة أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "البناتُ حسنات، والبنون نعمة، فالحسناتُ يثابُ عليها، والنعمة يُسأل عنها"(4) .

 

ومنها: معتبرة حمَّاد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بنات"(5).

 

ومنها: معتبرة محمد الواسطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "إنَّ إبراهيم (عليه السلام) سأل ربَّه أنْ يرزقَه ابنةً تَبكيه وتندبُه بعد موتِه"(6).

 

ومنها: معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "نعم الولدُ البناتُ ملطِّفات مُجهِّزات مُؤنِسات مُبارَكات مُفليات"(7).

 

ومنها: معتبرة عمر بن يزيد أنَّه قال لأبي عبد الله (عليه السلام): "إنَّ لي بناتٍ، فقال: لعلَّك تتمنَّي موتهنَّ، أما إنَّك إنْ تمنيتَ موتَهنَّ ومِتنَ لم تُؤجرْ يومَ القيامة، ولقيتَ ربَّك حين تلقاهُ وأنتَ عاصٍ"(8).

 

فمثل هذه الروايات وغيرها تتنافى مع الفهم المذكور المقتضي لكون موت البنات راحةً وعافيةً وخلاصاً من بلاء، هذا وثمة قرينةٌ أخرى على فساد الفهم المذكور للرواية وهي أنَّ النبي (ص) كان -بحسب الرواية- بصدد تلقِّي التعزية بوفاة ابنتِه، أيليقُ بأنْ يٌجيب المعزِّين بما يعبِّر عن استبشاره بوفاة ابنتِه وخلاصِه من ابتلاءٍ كان يثقله؟! أليس ذلك مناف لعظيم خلقة ورقَّة طبعه وهو كذلك مناف لمقتضى الحال إذ أنَّ لكلِّ مقامٍٍ مقال.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

24 جمادى الأولى 1445ه

9 ديسمبر 2023م

--------------------------------

1- المعجم الكبير -الطبراني- ج2 / ص372.

2- تذكرة الموضوعات -الفتني- ص218.

3-الموضوعات -ابن الجوزي- ج3 / ص236.

4- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج21 / ص367.

5- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج21 / ص361.

6- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج21 / ص361.

7- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج21 / ص362.

8- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج21 / ص366.