حجيَّة الشهادة على الشهادة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل الشهادة على الشهادة مقبولة وما هو حدود قبولها؟

الجواب:

المراد من الشهادة على الشهادة هو أن تقوم البينة على أنَّ زيداً مثلاً قد شهد برؤية الهلال أو أنَّ زيداً وخالداً العادلين قد شهدا برؤية الهلال أو تقوم البيِّنة على أنَّهما شهدا على طلاق عمرو لزوجته أو تقوم على أنَّهما شهدا على بيعه لداره أو وصيته بثلث ماله لعمرو وهكذا، فالشهادة على الشهادة تعني أن تشهد البيِّنة على شهادة أحدٍ على قضية من القضايا، فالبيِّنة -في مفروض الشهادة على الشهادة- لا تشهد على معاينة القضيَّة وإنَّما تشهدُ على أداء مَن عاينَ القضية لشهادته على القضية وأنَّها سمعته يشهدُ على معاينة القضيَّة.

الدليل على حجيَّة الشهادة على الشهادة:

والظاهر أنَّه لم يقع خلاف في حجيَّة الشهادة على الشهادة في الجملة بل أدُّعي على ذلك الإجماع من عددٍ من الأعلام(1). ويُستدلُّ لحجيَّة الشهادة على الشهادة بمعتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام: "أنَّ عليَّاً عليه السلام كان لا يُجيزُ شهادة رجلٍ على شهادةِ رجلٍ إلا شهادة رجلينِ على شهادة رجلٍ"(2).

ومعتبرة طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن عليٍّ (عليه السلام):" أنَّه كان لا يُجيز شهادة رجلٍ على رجلٍ إلا شهادة رجلينِ على رجلٍ"(3).

فهاتان الروايتان صريحتان في حجيَّة الشهادة على الشهادة وأنَّ أمير المؤمنين (ع) كان يُجيز شهادة البيِّنة على شهادة الرجل، هذا مضافاً إلى إطلاقات حجيَّة البيِّنة فإنَّها غير قاصرة عن الشمول للشهادة على الشهادة فإنَّها تدلُّ على أنَّ البيِّنة إذا قامت على شأنٍ من الشؤون فإنَّها تكون حجةً وصالحةً لإثبات متعلَّقها، فمقتضى ذلك أنَّ البيِّنة إذا قامت على أنَّ زيداً قد شهد على كذا فإنَّها تكون صالحة لإثبات أنَّه شهد بذلك. 

حدود قبول الشهادة على الشهادة:

وأمَّا ما هي حدود قبول الشهادة على الشهادة فمقتضى إطلاق أدلَّة حجيَّة البيِّنة وكذلك مقتضى إطلاق معتبرتي غياث وطلحة بن زيد هو حجيَّة الشهادة على الشهادة في مختلف الشؤون إلا أنَّه قام الدليل الخاصُّ على عدم حجيَّة الشهادة على الشهادة في موجبات الحدود الشرعيَّة كحدِّ الزنا وحدِّ السَّرقة وحدِّ القذف.

فمِن ذلك صحيحة طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه عن عليٍّ (عليه السلام):" أنَّه كان لا يُجيز شهادة على شهادة في حدٍّ"(4).

ومنها: معتبرة غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال: "قال عليٌّ عليه السلام: "لا تجوز شهادةٌ على شهادة في حدٍّ، ولا كفالة في حد"(5).

ومقتضى إطلاق الروايتين هو عدم حجيَّة الشهادة على الشهادة في مطلق موجبات الحدِّ الشرعي سواءً كان هذا الحدُّ من الحدود المصنَّفة أنَّها من حقِّ الله تعالى محضاً كحدِّ الزنا وحدِّ السحق أو كان من الحدود المصنَّفة أنَّها من حقِّ المجني عليه أو قل من الحدود المشتركة بين حقِّ الله تعالى وحقِّ المجني عليه كحدِّ القذف، وحدِّ السرقة، فإنَّ مقتضى إطلاق الروايتين هو عدم حجيَّة الشهادة على الشهادة في مطلق الحدود الشرعيَّة، فما أفاده بعض الأعلام(6) - من التفريق بين الحدِّ الذي هو من حقِّ الله تعالى فلا يثبت بالشهادة على الشهادة وبين الحدِّ الذي هو من حقِّ الناس فيثبت بالشهادة على الشهادة - لا يصحُّ وذلك لإطلاق الروايتين، فما عليه المشهور من عدم حجيَّة الشهادة على الشهادة في مطلق الحدود الشرعيَّة هو الصحيح(7).

نعم الشهادة على الشهادة بمثل السرقة وإنْ كان لا يثبت بها حدُّ السرقة بمقتضى إطلاق الروايتين إلا أنَّ ذلك لا يمنع من ثبوت الحقِّ المالي على ذمة السارق، فإذا قامت البيِّنة التامة على قيام بينةٍ تامة أنَّ زيداً سرق مال عمرو فإنَّ ذلك وإنْ لم يُصحِّح إقامة حدِّ السرقة على زيد إلا أنَّه يثبت بالشهادة على الشهادة اشتغال ذمة السارق بالمال المسروق، فإنَّ الشهادة على الشهادة بالسرقة تنحلُّ واقعاً إلى شهادتين الأولى شهادة بفعل ما يُوجب الحد والثانية شهادة باشتغال ذمة السارق بالمال المسروق، والذي قام الدليل الخاص على عدم حجيَّة الشاهدة على الشهادة فيه هو الحدُّ، فالحدود هي التي لا تثبت بالشهادة على الشهادة، وأمَّا اشتغال ذمة السارق بالمال المسروق فلا مانع من ثبوته بالشهادة على الشهادة، فالدليل الخاص لا يقتضي نفي حجيَّة الشهادة على الشهادة عليه ، ولهذا فإطلاق أدلة حجيَّة البينة وكذلك إطلاق المعتبرتين مقتضية لثبوت السرقة بالشهادة على الشهادة شأنها في ذلك شأن سائر الموضوعات التي تثبت بالشهادة على الشهادة وبثبوت السرقة يثبت اشتغال ذمة السارق بالمال المسروق.

وبتعبير آخر: لا مانع من تفكيك المشهود به فيُبنى على عدم حجيَّة الشهادة على الشهادة في ثبوت مُوجب الحدِّ وذلك لقيام الدليل الخاص على عدم الحجيَّة في هذا المورد، ويُبني على حجيَّة الشهادة على الشهادة في ثبوت اشتغال ذمَّة السارق بالمال المسروق وذلك لكون هذا المورد مشمولاً لإطلاقات أدلَّة حجيَّة البيِّنة وإطلاق المعتبرتين.

وهكذا هو الشأن فيما لو شهد عادلان على قيام البيِّنة التامَّة أنَّ زيداً زنا بهند فإنَّ حدَّ الزنا وإنْ كان لا يثبت بذلك إلا أنَّه لا مانع من ثبوت بقيَّة الأحكام المترتِّبة على ثبوت الزنا كنشر الحرمة بين الزاني وبين ابن الزنا، وكذلك سائر الأحكام المترتِّبة على ثبوت واقعة الزنا، فالذي لا يثبتُ بالشهادة على الشهادة هو خصوص حدِّ الزنا وأمَّا سائر الأحكام المترتِّبة على واقعة الزنا فتثبت بمقتضى إطلاق أدلَّة حجيَّة البينة وإطلاق المعتبرتين.

الشهادة على الشهادة في الهلال:

هذا وقد أفاد العلامة الحلِّي (رحمه الله) أنَّه لا تثبت الشهادة على الشهادة في الهلال(8) بدعوى اختصاص حجيَّة الشهادة على الشهادة بالأموال والحقوق لذلك فالجاري هو أصل البراءة،   إلا أنَّ ما أفاده منافٍ لمقتضى إطلاق معتبرتي غياث وطلحة، وكذلك هو منافٍ لإطلاق أدلَّة حجيَّة البيِّنة، ولم يقم دليلٌ على اختصاص حجيَّة الشهادة على الشهادة بالأموال والحقوق كما لم يقم دليل على استثناء الهلال من حجيَّة الشهادة على الشهادة كما قام على استثناء الحدود الشرعيَّة.

فالمحكَّم في المقام هو إطلاق حجيَّة البينة وإطلاق المعتبرتين ولا مُصحِّح للرجوع إلى أصالة البراءة من وجوب ترتيب الأثر على الشهادة على الشهادة، وذلك لقيام الدليل الاجتهادي على حجيتها ونفوذها المقتضي لوجوب ترتيب الأثر عليها .  

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه هو حجيَّة الشهادة على الشهادة في مطلق الشؤون كالأموال والحقوق والطلاق والنسب والهلال والقصاص وغيرها، ويُستثنى من ذلك الحدود الشرعيَّة كحدِّ الزنا وحدِّ السرقة وحدِّ القذف فإنَّها لا تثبتُ بالشهادة على الشهادة.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

23 / جمادى الأخرى / 1445ه

5 / يناير / 2024م


1- جواهر الكلام -النجفي- ج41 / ص189

2- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج3 / ص70، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص404.

3- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج6 / ص255، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص403.

4- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج6 / ص255، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص403.

5- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج3 / ص70، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص405.

6- جواهر الكلام -النجفي- ج41 / ص191، مستند الشيعة -النراقي- ج18 / ص388.

7- جواهر الكلام -النجفي- ج 41 / ص191,

8- تذكرة القفهاء -العلامة الحلي-ج6 / ص135.