معنى قوله في علَّة تحريم الجمع بين الأختين: لتحصين الإسلام

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما معنى خبر: مروان بن دينار قال: قلتُ لأبي إبراهيم (ع) لأي علَّةٍ لا يجوز للرجل أنْ يجمع بين الأختين؟ فقال: لتحصينِ الإسلام، سائر الأديان ترى ذلك"(1)؟

 

الجواب:

أورد الخبر الحرُّ العاملي في الوسائل عن كتاب العلل بشيءٍ من التفاوت، جاء فيه "وفي سائر الأديان يرى ذلك"(2) والخبر من حيثُ السند ضعيف، فإنَّ مروان بن دينار مهملٌ ولا ذكر له في كتب الرجال فهو مجهول الحال، وكذلك اشتمل السندُ على عددٍ من المجاهيل.

 

وأما المراد من الخبر فهو لا يخلو من إجمال، ولعلَّ ذلك نشأ عن أنَّ الراوي لم ينقله على حدِّه. وعلى أيِّ تقدير فهو يحتملُ أكثر من معنى:

 

الاحتمال الأول: أنَّ المراد من قوله: "لتحصين الإسلام" هو أنَّه لا مٌوجب للجمع بين الأختين لأنَّ الإسلام قد حصَّن الرجل بأنْ أباح له التعدُّد والزواج من أربع نساء، فلا موجب للجمع بين الأختين والذي قد يُفضي إلى وقوع الوحشة والنفرة بين الأختين، والإسلام حريص على أن يكون بين الأختين انسجام وألفة، فإذا صارت إحداهما ضرَّةً للأخرى وقعت النفرة بينهما ولا موجب لذلك بعد أن كان للرجل أن يتزوَّج بأكثر من امرأة.

 

وأما قوله: "سائر الأديان ترى ذلك" فمعناه أنَّ سائر الأديان ترى جواز الجمع بين الأختين، وقد أخطأوا في ذلك أو أنَّ المراد من هذه الفقرة أنَّ سائر الأديان ترى المنع من الجمع بين الأختين فلا موجب للاستيحاش من منع الإسلام الجمع بين الأختين فإنَّ تحريم الجمع بينهما ثابت في عامة الأديان.

 

الاحتمال الثاني: أنَّ المراد من قوله: "لتحصين الإسلام" هو أنَّ سائر الأديان ترى حرمة الجمع بين الأختين، فلو أباح الإسلام الجمع بين الأختين لأفضى ذلك إلى أنْ تطعن عليه سائرُ الأديان بأنَّه أباح ما تُحرِّمه الأديان، فالحكمةُ من تحريم الجمع بين الأختين هو تحصين الإسلام من طعن سائر الأديان عليه.

 

وقد يكون المراد من قوله: "لتحصين الإسلام" هو تحصين المسلمين من طعن أهل الديانات الأخرى عليهم، لأنَّهم يرون حرمة الجمع بين الأختين، فلو جمع مسلمٌ بين اختين لاعتبره أهل الديانات الأخرى فاجراً فيَطعنونَ عليه بذلك، فحتى لا تطعنُ أهلُ الديانات الأخرى على المسلمين حرَّم اللهُ تعالى عليهم الجمع بين الأختين، وعليه تكون الحكمة من التحريم -بناءً على هذا الاحتمال- هي المجاراة لسائر الأديان حذراً من طعنِهم الذي قد تترتَّب عليه مفاسدُ اجتماعيَّة.

 

الاحتمال الثالث: هو أنَّ السائل كان يستفهم عن منشأ المنع من الجمع بين نكاح الأختين من الإماء بملك اليمين، فأجابه الإمام (ع) بأنَّ نكاح الأختين من الإماء بملك اليمين ممَّا لا موجب له، ولا حاجة للمسلم إليه فقد حصَّنه الإسلام بأنْ أباح له الزواج بأكثر من امرأة.

 

وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ مثل هذه الروايات ليست متصدِّية لبيان علَّة الحكم التامَّة التي يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً وإنَّما هي متصدِّية لبيان الحكمة من جعل الحكم، فهي متصدِّية للإشارة إلى بعض الفوائد من جعل الحكم، ويراعى غالباً في ذلك ما يُناسب ظرفَ السائل أو مبلغَ فهمه.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

26 / رجب المعظم / 1445ه

7 / فبراير / 2024م

-------------------------

1- علل الشرائع -الصدوق- ج2 / ص498.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج20 / ص477، جامع الشيعة -البروجردي- ج20 / ص490.