معنى: غَضِبَ اللهُ عَلَى الشِّيعَةِ فَوَقَيْتُهُمْ واللَّه بِنَفْسِي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (ع) قَالَ: "إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ غَضِبَ عَلَى الشِّيعَةِ فَخَيَّرَنِي نَفْسِي أَوْ هُمْ فَوَقَيْتُهُمْ واللَّه بِنَفْسِي"(1) استوقفتني هذه الرواية من كتاب الكافي، فما هو المراد منها؟

 

الجواب:

الرواية لا اعتبار بها نظراً لضعف سندها بالإرسال، وظاهرها أنَّ الله تعالى غضب على الشيعة المعاصرين للإمام أبي الحسن موسى (ع) لذنبٍ اجترحوه كتركهم التقية مثلاً أو إذاعتهم لبعض أسرار آل محمد (ص) فكانت العقوبة التي يستحقونها هي إمَّا أن يُهلكهم اللهُ تعالى أو يبتليهم بمصيبةٍ شديدة أو يعاقبُهم بأنْ يحرمهم من وجود الإمام (ع) بينهم فاختار الإمام (ع) مفارقتهم ولقاءَ الله تعالى بالموت.

 

فمعنى قوله (ع): "فَوَقَيْتُهُمْ واللَّه بِنَفْسِي" هو أنَّه اختار أنْ يصرفَ اللهُ تعالى عنهم عذابَه لشفقته عليهم وأن تكون عقوبتُهم هي حرمانَهم من وجوده الطاهر بينهم.

 

وأمَّا ما فهمه البعض من أنَّ المراد من الرواية هو أنَّ الإمام (ع) استوهب ذنوبَ شيعته وتحمَّلها عنهم فهو خلافُ الظاهر جدَّاً، على أنَّ مقتضى هذا الفهم هو أنَّ الإمام (ع) لمَّا تحمَّل ذنوب شيعته وقعت العقوبةُ عليه بدلاً عنهم، تماماً كما يتَّفقُ ذلك لبعض السلاطين الظلمة يجترحُ أحدٌ جريمةً فيأتي آخرُ فيقول للسلطان عاقبني بدلاً عنه فيعاقبُه بدلاً عنه ويُخلي سبيلَ المجترِح للجرم.

 

فمقتضى هذا الفهم أنَّ الله يُعاقب أولياءه بذنوب عباده العصاة، وهو مستحيلٌ على الله تعالى، ولا يرفع الاستحالة قبول الأولياء بتحمُّل ذنوب العصاة.

 

هذا مضافاً إلى منافاة هذا الفهم لمثل قوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا}(2).

 

فالصحيح أنَّ المراد من الرواية أنَّ الشيعة استحقُّوا العقوبة لتركهم التقية مثلاً فإمَّا أنْ يعاقبوا بوقوع العذاب عليهم أو يعاقبوا بحرمانهم من وجود الإمام (ع) بينهم، فكلا الخيارين عقوبةٌ على الشيعة المذنبين، غايته أنَّ الإمام (ع) دعا الله تعالى أن يختار لهم العقوبة الثانية، وذلك لشفقته عليهم، فكأنَّه وقاهم بنفسه حيث اختار الموت على عذابِهم. فهم وإن كانوا سيُحرمون من وجوده بينهم -وذلك يضرُّهم ولا يضرُّه- ولكنهم سيكونون في عافية.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

26 / رجب المعظم / 1445ه

7 / فبراير / 2024م

--------------------

1- الكافي -الكليني- ج1 / ص260.

2- سورة الأنعام / 164,