معنى قوله تعالى: ﴿يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ﴾

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما هو المقصود من قوله: ﴿يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ﴾ في قوله تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾(1)

 

الجواب:

يُطلق النعيق ويراد منه صوت الراعي حين يصوِّت على الغنم يقال: نعَقَ الراعي بغَنَمه، نعْقاً بالفَتْح، ونَعيقاً ونُعاقاً بالضمّ ونَعقَاناً بالفَتْح إذا صاحَ بها وزجَرَها(2)

 

ومفاد الآية هو تشبيه الذين كفروا بالغنم حين يُصوِّت عليها الراعي، فهي تسمع نداء الراعي ودعاءه لها ولكنَّها لا تفقه معناه، وكذلك الذين كفروا يسمعون كلام الرسول (ص) ولكنَّهم لا يفقهون معناه ولا يتعقَّلونه، فكأنَّهم بهائم تصلُ الأصوات إلى أسماعهم ولكنَّهم لا يدركون مدلولها.

 

فقوله: ﴿يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً﴾ يعني أنَّه يصيح بالذي لا يسمع إلا جرس الصوت وإيقاعه، فكلمة "ما" في قوله: ﴿يَنْعِقُ بِمَا﴾ اسم موصول -بمعنى الذي- يُستعمل لغير العاقل.

 

ففي الآية المباركة تشبيه تمثيلي، أي تشبيه صورة بصورة، فهي تُشبِّه الذين كفروا حين يدعوهم الرسول (ص) إلى الهدى والرشاد بالغنم حين يصوِّت بها الراعي ويصيحُ عليها، فكما أنَّ الغنم لا تفقه مداليل صياح الراعي وإنَّما تسمعُ جرس ندائه دون أنْ تفقه معناه، فكذلك الذين كفروا، فهم وإنْ كانوا يسمعون كلامَ الرسول (ص) ولكنَّهم للرين الذي على قلوبهم والعناد المانع من التدبُّر والتأمُّل فيما يقول- لا يفقهون معنى كلامه ومؤدَّاه أو لا يتعقلونه.

 

فالآيةُ شبَّهت الذين كفروا بالأغنام وشبَّهت الداعي إلى الإيمان بالراعي للأغنام، وشبَّهت صوت الداعي للإيمان بنعيق الراعي للأغنام، ووجه الشبه بين الصورتين أنَّ كلاً من الأغنام والكفار تصل الأصوات إلى مسامعهم دون أنْ يفقهوا معناها.

 

وأصل الكلام هكذا:

مثل الداعي للإيمان كمثل الراعي للأغنام حين ينعِقُ ويصيحُ على أغنامه، ومثل الذين كفروا كمثل الأغنام المنعوق بها من قِبَل الراعي، فالأغنامُ لا تسمع سوى جرس صوت النعيق دون أن تفقه معناه، والكفَّار لا يسمعون سوى الدعاء للإيمان دون أن يتعقَّلوا مؤدَّاه.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

7 / شعبان / 1445ه

18 / فبراير / 2024م

---------------------------

1- سورة البقرة / 171.

2- تاج العروس -الزبيدي- ج13 / ص461.