لبسُ الجورب الذي لا ساقَ له في الصلاة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما حكم لبس الجورب القصير الذي لا يستر ظهر القدم للرجل؟

 

الجواب:

يجوز للرجل في غير الصلاة لبس الجورب الذي يستر تمام ظهر القدم دون أن يكون له ساق كما يجوز لبس ما لا يستر تمام ظهر القدم، هذا في غير الصلاة .

 

وأمَّا في الصلاة فنُسب إلى مشهور أكثر المتأخرين – كما في الحدائق(1) - القول بكراهة لبس ما يستر ظهر القدم إذا لم يكن له ساق، ونُسب ذلك أيضاً للشيخ الطوسي في المبسوط وابن حمزة في الوسيلة من المتقدِّمين ومثَّلوا لذلك بالنعل السندي والشًمِشْك. ( نعلٌ يغطِّي ظهر القدم وليس له ساق)

 

وفي مقابل ما نُسب للمتأخرين ذهب جمع من المتقدمين - كالشيخ المفيد في المقنعة والشيخ الطوسي في النهاية وابن البراج وسلار وبعض المتأخرين كالمحقق الحلّي والعلامة الحلِّي- إلى حرمة لبس ما يستر تمام ظهر القدم - في الصلاة- إذا لم يكن له ساق(2) نعم لا يحرم بل ولا يُكره لبس ما لا يستر تمام ظهر القدم أو يستره وله ساق سواءً كان الساق قصيراً أو كان طويلاً .

 

واستُدلَّ للقول بعدم الجواز بعددٍ من الوجوه:

الوجه الأول: هو أنَّ النبيَّ الكريم (ص) لم يكن يلبسُ ما يسترُ ظهر القدم دون ساقٍ في الصلاة، وكذلك لم يفعله الصحابة والتابعون وهو ما يكشف عن جريان سيرتهم على تجنُّب اللبس لما يسترُ ظهر القدم في الصلاة.

 

وأُجيب عن ذلك بأنَّه محضُ دعوى لا يُمكن التثبُّت منها، فلعلَّ النبيَّ الكريم (ص) كان يلبس ذلك في بعض الأحيان، ولو تمَّ القبول بأنَّ النبيَّ (ص) لم يكن يلبس ذلك في الصلاة فإنَّه لا يكشفُ عن عدم الجواز، فلعلَّ المنشأ لذلك هو عدم الرغبة في مثل هذا اللبس، ولعلَّ المنشأ لذلك هو الكراهة، فعدم اللبس لا يدلُّ بالضرورة على المانعيَّة، على أنَّه لو كان البناءُ على تماميَّة هذا الوجه لاقتضى ذلك الحكم بعدم جواز لبس كلِّ لباسٍ لم يكن النبيُّ (ص) يلبسُه، ولا يَلتزم بذلك أحدٌ من الفقهاء، فجريانُ سيرة النبيِّ (ص) على عدم لبس شيءٍ في الصلاة لا يدلُّ على عدم جوازه، نعم يصحُّ الاستدلال بعدم الفعل على عدم وجوبه.

 

الوجه الثاني: الاستدلال بما روي عن النبيِّ الكريم (ص) أنَّه قال: " صلوا كما رأيتموني أصلي" وحيث إنَّ النبيَّ (ص) لم يكن يصلي فيما يستر ظهر القدم دون ساق فذلك يقتضي لزوم الامتناع عن لبسه امتثالاً للأمر باعتماد الكيفية التي كان عليها رسول الله (ص) في صلاته.

 

وأجيب عن هذا الوجه بأنَّه هذا الحديث غير معتبرٍ سنداً ، على أنَّه لم يثبت كما ذكرنا أنَّ النبيَّ (ص) لم يصلِّ – ولو لمرات معدودة- فيما يستر ظهر القدم، ولو ثبت ذلك فهو لا يكشف عن المانعية، إذ أنَّ دلالة عدم الفعل على المانعية تتوقَّف على إحراز أنَّ منشأ عدم اللبس يتصل بالصلاة أي إحراز أنَّه ترك لبسه بسبب الصلاة، ولا طريق إلى إحراز ذلك فلعلَّه ترك لبسه لعدم موافقته لرغبته .

 

الوجه الثالث: الاستدلال برواية سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ:" لَا يُصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ بِحِذَاءٍ ولَا بَأْسَ بِالْخُفِّ"(3) فالرواية منعت من الصلاة على الجنازة بحذاء رغم أنَّ القيود والموانع المعتبرة في الصلاة على الجنازة أوسع، فإذا كان لبس الحذاء مانعاً من صحة صلاة الجنازة فهو مانع من الصحة في صلاة الفريضة بالأولويَّة .

 

وأُجيب عن هذا الوجه بأنَّه من غير المتعيَّن أنَّ مانعيَّة لبس الحذاء نشأ عن كونه ساتراً لظهر القدم، فلعلَّ منشأ المنع من لبس الحذاء في الصلاة هو منافاته لمقتضى التذلل الخشوع أو منافاته لمقتضى الاتعاظ في الصلاة على الجنازة، على أنَّ الحذاء قد لا يستر تمام ظهر القدم، وقد يكون للحذاء ساق، وهو ما يدلُّ أو يُشعر بأنَّ موضوع المانعيَّة هو عنوان الحذاء وليس هو عنوان ما يستر ظهر القدم.

 

الوجه الرابع: الاستدلال بما نقله ابن حمزة في الوسيلة قال: "ورُوي أنَّ الصلاة محظورة في نعل السندي والشمشك"(4)

 

وأُجيب عن هذا الوجه مضافاً إلى كون الرواية مُرسلة، ولا يُحرز انجبارها بعمل القدماء لعدم إحراز استناد مَن بنى على مانعيَّة ما يسترُ ظهر القدم إليها، إذ من المُحتمَل أنَّ مستندهم هو أحد الوجوه المتقدِّمة، فمضافاً إلى ذلك هو أنَّ مِن غير المعلوم أنَّ المنع عن لبس النعل السندي والشمشك هو كونها ساترة لتمام ظهر القدم، فلعلَّ منشأ المنع هو كونها مانعة من وضع الإبهامين على الأرض أثناء السجود.

وعليه فلم يثبت ما يصحُّ به البناء على عدم جواز لبس ما يستر ظهر القدم في الصلاة .

 

الوجه في البناء على الكراهة وجوابه:

وأمَّا القول بالكراهة فلا وجه له أيضاً إلا ما رواه ابن حمزة مرسلاً بناءً على قاعدة التسامح في أدلَّة السُنن وشمول قاعدة التسامح للمكروهات، ولم يثبت ذلك، فالقاعدة لو تمَّت فهي لا تشمل المكروهات، على أنَّها غير تامَّة في نفسها، هذا مضافاً إلى أنَّ أقصى ما تقتضيه مرسلة ابن حمزة هو كراهة الصلاة في الشمشك والنعل السندي، إذ لا ظهور لها في أنَّ منشأ الكراهة أو الحظر هو كون النعل السندي والشمشك ساترين لظهر القدم فلعلَّ المنشأ لذلك أمرٌ آخر. نعم بناءً على أنَّ قاعدة التسامح تشمل ما بلغ ولو من طريق فتوى الفقهاء فإنَّه يصحُّ البناء على الكراهة نظراً لفتوى جمع من المتأخرين بالكراهة لكنَّ دعوى شمول القاعدة لما بلغ من طريق الفتوى غير تامَّة في المستحبات فضلاً عن المكروهات.

 

وعليه فلم يثبت ما يصحُّ معه البناء على كراهة لبس ما يسترُ ظهر القدم في الصلاة، نعم لا يصحُّ البناء على نفي الكراهة استناداً إلى ما رواه الشيخ في الغيبة والطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، أنَّه كتب إلى صاحب الزمان ( عليه السلام ) يسأله : هل يجوز للرجل أن يُصلِّي وفي رجليه بطيط لا يغطِّي الكعبين ، أم لا يجوز ؟ فكتب في الجواب : جائز"(5)

 

فإنَّ أقصى ما تدلُّ عليه الرواية هو الجواز وهو لا ينفي الكراهة، هذا لو كان البطيط هو رأس الخف بلا ساق كما نُسب ذلك صاحب القاموس (6) وإلا فالرواية أجنبيَّة عن مورد البحث لو لم يكن البطيط يستر تمام ظهر القدم كما لعلَّه ظاهرٌ من سؤال السائل حيث وصف البطيط بأنَّه لا يغطِّي الكعبين، فبناءً على أنَّ المراد من الكعبين هو قبَّة القدم وليس هو المفصل فالبطيط لا يسترُ تمام ظهر القدم .

 

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

18 شعبان 1445ه

29 فبراير 2024م

-----------------------------

1- الحدائق الناضرة - الشيخ يوسف البحراني- ج7/ 160.

2- الحدائق الناضرة - الشيخ يوسف البحراني- ج7/ 160.

3-الكافي- الكليني- ج3/ 176، وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج3/ 118.

4-الوسيلة  – ابن حمزة الطوسي- ص 88، وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج4/ 428.

5- الغيبة – الطوسي- ص 381، وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج4/ 428.

6-وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج4/ 428.