الحجرات: ﴿اجْتَنِبُوْا كَثِيْراً مِنَ الْظَّنِّ .. وَلاَ تَجَسَّسُوْا﴾ -2

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي لَا يَبْلُغُ مِدْحَتَه الْقَائِلُونَ، ولَا يُحْصِي نَعْمَاءَه الْعَادُّونَ، ولَا يُؤَدِّي حَقَّه الْمُجْتَهِدُونَ، الَّذِي لَا يُدْرِكُه بُعْدُ الْهِمَمِ، ولَا يَنَالُه غَوْصُ الْفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِه حَدٌّ مَحْدُودٌ، ولَا نَعْتٌ مَوْجُودٌ ولَا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، ولَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ، فَطَرَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِه، ونَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِه، ووَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِه .. أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وابْتَدَأَه ابْتِدَاءً، بِلَا رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا ولَا تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا، ولَا حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا ولَا هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِيهَا، أَحَالَ الأَشْيَاءَ لأَوْقَاتِهَا ولأَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا، وغَرَّزَ غَرَائِزَهَا وأَلْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا، عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا، مُحِيطاً بِحُدُودِهَا وانْتِهَائِهَا عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وأَحْنَائِهَا، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً (ص) عَبْدُه ورَسُولُه.

 

عبادَ الله أُوصيكم ونفسي بتقوى الله .. أشعروها قلوبَكم، وارحضوا بها ذنوبَكم.. ألا فصونوها وتَصوَّنوا بها.. فالتقوى حرزٌ لمَن عمِل بها، وهي أوفقُ حصنٍ، وأوقى حِرز.. مَن لجأ إليها حصَّنته، ومن اعتصمَ بها عصمتْه.

 

قال الله في محكم كتابه المجيد: ﴿يَا اَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا اجْتَنِبُوْا كَثِيْراً مِنَ الْظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الْظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوْا﴾(1).

 

تحدَّثنا فيما سبقَ حول ما هو المرادُ من الظنِّ المنهيِّ عنه في الآية من سورة الحُجُرات وقلنا إنَّ المراد من الظنِّ المأمورِ باجتنابه والموصوفِ بالإثم في الآية المباركة هو الظنُّ السيء، وذلك بأنْ تظنَّ في مؤمنٍ أنَّه فعلَ ما لا يليقُ صدورُه من المؤمنٍ أو تظنَّ بأنَّه ينطوي على بعض الصفات المرذولة أو أنَّه يريدُ الإضرارَ بك أو خداعَك والإيقاعَ بك أو بالمؤمنين، فكلُّ ذلك وشبهه يُعدُّ من الظنِّ السيء إذا تمَّ التعاطي مع هذا الظن وترتيبُ الأثر عليه، وقد تحدَّثنا عن ذلك بشيءٍ من التفصيل، ونتحدَّثُ في المقام -إنْ شاء اللهُ تعالى- عن علاقة سوءِ الظنِّ بالتجسُّس، حيثُ إنَّ الآية المباركة، أردفت النهيَ عن التجسُّس على النهيِّ عن الظنِّ الموصوف بالإثم. فما وجه العلاقةِ بين هذين السلوكين؟

 

معنى التجسُّسِ ومواردٍه:

وقبل الحديث عن وجه العلاقة بينهما، لا بدَّ من الوقوف على معنى التجسُّس. فإنَّ لذلك تأثيراً في تبيُّن وجه العلاقة بين التجسس وسوء الظن.

 

التجسُّس يعني الفحص والتنقيب والتفتيش عن أحوال الناس، والمراقبة لما يصدر عنهم من أفعالٍ وأقوال وغالباً ما يُطلق لفظ التجسُّس لإفادة معنى التفتيش عمَّا هو مستورٌ من أحوال الناس وشؤونِهم وعلاقاتهم وخصوصياتهم لغرض الوقوف على معايبهم وأخطائهم وما يوجب التنقُّص من أقدارهم، وكذلك يدخلُ في التجسُّس البحث من طريق مساءلة الناس عن شؤونهم أو آرائهم لغرض الوقوف على خفايا ما تنطوي عليه نفوسُهم أو لغرض الوقوف على أسرارِهم وما يكرهونَ التصريحَ به، فكلٌّ ذلك وشبهه يدخل تحت مفهوم التجسُّس المنهيِّ عنه في الآية المباركة.

 

فثمة أناسٌ يكون شغلُهم الشاغلُ، وهمُّهم أنْ يُراقبوا الناسَ في ذهابهم وإيابهم، وفي مقاصدهم، وفيما يقولون، وفيما يفعلون، وفيما يرتبطُ بشؤونهم ومتعلَّقاتهم وخصوصياتهم وأحوالهم، وتراه يطربُ وينتشي حينما يقفُ على عثرةٍ لرجل، أو خطأٍ لامرأة! بل هو يبتهجُ حينما يقف على عيبٍ أو خطأ للصغار ليتَّخذ منه وسيلةً للطعن والتنقُّصِ من الكبار من ذوي قرابتهم.

 

منشأ الابتلاء برذيلة التجسُّس: 

فتلك من أسوأ الخصال التي يشقى بها بعضُ الناس، وهي تُعبِّر عن عُقَدٍ كامنة، ومُركَّبِ نقصٍ تنطوي عليه النفس، فلأنَّه يجدُ نفسه عاجزاً عن التحلِّي ببعض الكمالات أو الملكات لذلك يُزعجه أنْ يجدَ آخرينَ من نظرائه واجدين لها، لذلك يحرصُ على أنْ يقُنع نفسَه أنَّهم مثلَه غيرَ واجدينَ لها أو لا أقلَّ من إيهام الآخرينَ بذلك من طريق الطعنِ عليهم والتنقُّصِ من أقدارهم، فالمتتبِّعُ لعثرات الناس حاسدٌ، وحاقد بطبعه، ولن تجدَ أحداً يتتبعُ عثراتِ الناس إلا وهو كذلك، فبين هذه السجية وهذه الحالة النفسيَّة ملازمةٌ لا تكادُ تنفكُّ، وكذلك لن تجدَ متتبِعاً لعثراتِ الناس إلا وهو مَهيناً في نفسِه يشعر بالصَغار فيكون التتبع متنفَّساً عمَّا ينطوي عليه من هَوان.

 

أمَّا ذوو المروءاتِ وأصحابُ النفوسِ المتعالية، وكذلك أصحابُ القلوبِ الطاهرة، فتأبى أن تقع في وحل هذا المستنقع، فليس من شيءٍ أسوأ من تجسُّسِ أحوالِ الناس، بل إنّ الرجلَ الكريمَ النفس إذا رأى عيباً غضَّ عنه، وإذا رأى سقطةً من سقَطات الرجال قد صدرت من أحدٍ، أعرضَ عنها، وكأنَّه لم يشاهدْها، بل إنَّه إذا رأى عيباً في غيره يتأذَّى، ويشعرُ بالحزن، ويتمنَّى أنْ لم يكن قد صدرَ من أخيه ذلك الخطأ، لا أنْ يبتهجَ ويغتبطَ لصدورِه منه، فيُمسك عليه ذلك الخطأ، فيشهِّر به أو يغمزه ويلمزه به في الأوساط أو يبتزَّه ويتَّخذ منه وسيلةً لاستضعافِه 

 

ما ورد من التشديد على النهي عن التجسُّس:

إذا اتَّضح معنى التجسُّس، يتَّضح منشأ تشديد النهي من الرسول الكريم (ص) وأهل بيتِه (ع) عن هذه السجيَّة السيئة والمرذولة.

 

فممَّا ورد في ذلك ما رُوي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أنَّ "أَقْرَب مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى الْكُفْرِ أَنْ يُوَاخِيَ الرَّجُلَ عَلَى الدِّينِ فَيُحْصِيَ عَلَيْه عَثَرَاتِه وزَلَّاتِه لِيُعَنِّفَه بِهَا يَوْماً مَا"(2).

 

فالمؤمنُ تفصلُه عن الكفر مراحلُ ومسافات، لكنَّه كلَّما تزيَّا بسجيّةٍ سيئة، كلَّما اقترب من الكفر، وبمقدار ذلك يبتعدُ عن الإيمان. فهناك مقرِّباتٌ للكفر، وهناك مبعِّدات عن الكفر، وثمَّة سجايا تخطو بالإنسان إلى الكفر خطىً واسعة ومتسارعة، وهناك سجايا تخطو به خطىً قصيرة. والتتبُّعُ لعثرات المؤمنين -بحسب الرواية- من السجايا التي تخطو بالمؤمن نحو الكفر بخطىً واسعةٍ ومتسارعة.

 

لاحظوا قولَه (ع): "أَقْرَب مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى الْكُفْرِ أَنْ يُوَاخِيَ الرَّجُلَ عَلَى الدِّينِ فَيُحْصِيَ عَلَيْه عَثَرَاتِه وزَلَّاتِه" فالتتبعُ لعثرات المؤمنين والإحصاء لزلَّاتهم هي أقربُ الصفات إلى رذيلة الكفر أو هي أسرعُ الوسائل المُفضية لصيرورة الإنسانِ في ركبِ مَن يُبطنون الكفر ذلك لأنَّ التتبُّع والتفتيش عن معايب الناس وزلَّاتهم من شُعَبِ النفاق.

 

فأنْ يُفتِّشَ ويُحصيَ أحدٌ على آخر عثراتِه ويجمعها في ذاكرته وقد يُدوِّنها في سجلٍّ عنده ويؤرِّخ لها يتربَّصُ بذلك الفرصةَ للوقيعةِ به أو تعنيفِه أو ابتزازه فتلك خسَّةٌ لا تتَّفق إلا لذوي المكرِ والختْلِ والخداع وهي أبرزُ خصال ذوي النفاق وهو شُعبةٌ من شعب الكفر.

 

ولهذا عبَّرت بعض الروايات عن مثله بأنَّه ممَّن لم يخلص الإيمانُ إلى قلبه كما في رواية إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص) يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِه ولَمْ يُخْلِصِ الإِيمَانَ إِلَى قَلْبِه لَا تَذُمُّوا الْمُسْلِمِينَ، ولَا تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّه مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِهِمْ تَتَبَّعَ اللَّه عَوْرَتَه، ومَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ تَعَالَى عَوْرَتَه يَفْضَحْه ولَوْ فِي بَيْتِه"(3) فالمتتبِّعُ لعورات الناس ومعايبهم لم يذقْ -بحسب مفاد الرواية- طعمَ الإيمان، ولم يتجاوزِ الإسلام لسانَه، ثم توعَّدت الروايةُ مَن كانت هذه سجيَّتَه أنْ يتولَّى اللهُ تعالى فضيحتَه بأن يُظهِر للناس مساوئه ومعايبه، وحين يتولَّى اللهُ تعالى كشفَ معايبِ أحدٍ لا يكون بوسعه التستُّرُ عليها وإنْ استفرغ في كتمِها وإخفائها أقصى مجهودِه.

 

ويقولُ الرسولُ الكريم (ص) كما في صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "لَا تَطْلُبُوا عَثَرَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ عَثَرَاتِ أَخِيه تَتَبَّعَ اللَّه عَثَرَاتِه ومَنْ تَتَبَّعَ اللَّه عَثَرَاتِه يَفْضَحْه ولَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِه"(4).

 

ففرقٌ بين الإنسان حين يتتبعُ عثراتِ أخيه وبين مَن يتتبعُ اللهُ تعالى عثراتِه، فالإنسانُ يلتفتُ ويغفل، ويتفطَّنُ للعيب وقد يذهلُ عنه، ويظهرُ له العيب وقد يخفى عليه، وقد يقفُ على العيب ثم ينساه، وقد يُصدَّق فيما يُفشيه من عيوبٍ أحصاها وقد يُكذَّب، وأما الله -جلَّ وعلا- فإنَّه لا يغفلُ ولا يسهو، ولا يخفى عليه مِن شيء، وبيده أنْ يعصمَ الإنسانَ عن الزلل وقد يخذلُه فيزِلَّ ويرتكب العظائم، وهو تعالى القادر على أن يصنع مقتضيات التصديق عند الناس. فمتى بارزََ اللهَ تعالى من أحدٍ وحاربه، بأن أفشى أسرارَ عباده، فإنّ اللهَ جلَّ وعلا بالمرصاد ينتقمُ لهم منه، فيُحصي عليه عثراتِه ثم يفضحه وهو سادرٌ في بيته، وبين ذويه وأَخصَّائه -هذا هو مفادُ الوعيد النبويّ- "ومن تتبَّع اللهُ عثراتِه، يفضحْه ولو في جوفِ بيته".

 

وقريبٌ من هذا المعنى ما ورد عن أمير المؤمنين(ع) أنَّ: "مَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِه، ومَنْ حَفَرَ لأَخِيه بِئْراً وَقَعَ فِيهَا، ومَنْ هَتَكَ حِجَابَ غَيْرِه انْكَشَفَ عَوْرَاتُ بَيْتِه"(5).

 

وجهُ العلاقة بين سُوءِ الظنِّ والتجسُّس:

وباتِّضاح معنى التجسُّس، وأنَّه من أسوأ الخُلُق يقعُ الحديث عن وجه العلاقة بين سوء الظن، وبين التجسُّس؟

 

قد يتَّفق أنْ يحصلَ سوءُ الظنِّ بلا سببٍ مقصود، فقد يفاجئُك موقفٌ من أخيك لم تتعمَّد الوقوف عليه، ويكون ذلك الموقف مشبوهاً، فينشأ في نفسك من ذلك احتمالٌ ضعيف، أو ظنٌّ بأنَّه قد ارتكب خطيئة، أو اجترح منقصة، وهنا يدعوك الفضول إلى أن تتثبَّت لتقف على واقع الأمر، هذا التثبُّت في هذا الفرض نوعٌ من التجسُّس.. إذ كيف سيُتاح لك التثبُّت من صدور الخطيئة عنه؟ ستسأل، وتبحث، وتجمع القرائن والمعطيات وتُفتِّش، وتُراقب، وتتابع أحوالَه هل يصدر منه ما يُشبه الفعلَ الذي وقفتَ عليه، وهكذا سيقودك سوءُ الظنّ إلى التجسُّس، فكأنَّ الآية الشريفة تنهى عن متابعة الظنِّ السيء بالتجسُّس لغرض توكيده.

 

ولعلَّ ذلك ما يُمكن استفادته أيضاً ممَّا ورد عن الرسول الكريم (ص): "إيَّاكم والظنّ، فإنَّ الظَّنَّ أكذبُ الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا" فإذا ظننتَ بأخيك سوءً فإنّ وظيفتك أنْ تطردَ الظنَّ عن نفسِك، وأنْ تحمل أخاك -كما أوصى أهلُ البيت(ع)- على محملِ الخير، أمَّا أنْ تسعى للتأكّد، فكيف ستسعى لذلك؟ لن يُتاحَ التأكُّد إلَّا من طريق التجسُّس، ومتابعة أحوال هذا الشخص، ومراقبته، حتى تتوثَّقَ من ظنِّك. فالتعبيرُ في الرواية عن الظنِّ بأنَّه أكذبُ الحديث معناه -ظاهراً- النهيُ عن العناية به والأمرُ بتنزيله منزلةَ الكذب الذي لا يُلتفتُ إليه ولا يرتَّب عليه من أثر.

 

وثمة صورةٌ أخرى أسوأُ من الأولى، وهي أنْ لا يقفَ الإنسانُ على ما يُوجب الظنَّ بصدور الخطيئة من أخيه، ولكنَّه سيءُ الظن بالآخرين ومهووسٌ بتتبع أحوال الناس وخصوصياتهم، فتراه يبحثُ ويُبعثر ويترصَّدُ ويُراقب، يجلسُ في المحافل مستجمِعاً لحواسِّه يُصغي إلى أقوال الناس علَّه يقفُ لأحد منهم على زلَّة، ويُجيلُ بصره يراقب سلوكهم، ويُعجبه أنْ يتمَّ التعرُّضُ في المحافل التي يرتادُها إلى أحوال الناس وخصوصياتهم ويومياتهم، فشغلُه الشاغلُ هو الوقوف على أسرار الناس وخفاياهم وما يكرهون ظهورَه أو التصريحَ به، وبذلك تنشأ في نفسِه لتجسُّسه أحوالِ الناس ظنونٌ كثيرة، فالتجسُّس يقودُ إلى سوءِ الظنِّ، وسوءُ الظنِّ يقودُ إلى التجسُّس، فكلٌّ منهما يؤثِّرُ في الآخر، فهو يتجسَّس فيُسيء الظنَّ، ويُسيء الظنَّ فيتجسَّس، وحينئذٍ سوف يقفُ بطبيعة الحال على أمورٍ يجهلها الناس، أو قد يكونون في غفلةٍ عنها، ثم إنَّ هذه الأمور التي وقف عليها تظلُّ، تعتلجُ في نفسه، فيغتاب، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَجَسْسُّواْ وّلاّ يَغْتَبْ بَعْضُكُم بَعْضَاً﴾(6) فهو تسلسل طبيعي، أولاً يسيء الظن، ثم يتجسَّس ليتأكد، ثم حين يطّلع على أسرار الناس وخفاياهم وعيوبهم، يقوم بإفشائها بين الناس، ويغتابهم. فلعلَّ ذلك هو منشأ الترتيب في النهي أولاً عن سوءِ الظنِّ ثمَّ عن التجسُّس ثمَّ عن الغيبة.

 

اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّد واغفرْ لعبادِك المؤمنين.

 

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ / وَالْعَصْرِ / إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ / إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾(7).

 

 والحمد لله ربِّ العالمين

 

خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور

19 من شهر شعبان 1445هـ - الموافق 1 مارس 2024م

جامع الإمام الصّادق (عليه السلام) - الدّراز

---------------------------

1- سورة الحجرات / 12.

2- الكافي -الكليني- ج2 / ص354.

3- الكافي -الكليني- ج2 / ص354.

4- الكافي -الكليني- ج2 / ص355. 

5- الكافي -الكليني- ج8 / ص19. 

6- سورة الحجرات / 12.

7- سورة العصر.