معنى قوله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
ما معنى ﴿أَشِرٌ﴾ قوله تعالى من سورة القمر: ﴿أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾(1)
الجواب:
الأَشِر اسم فاعل يُوصف به المتكبِّر المتعالي من أشِرَ بمعنى بطِر وتجبَّر واستكبر، ويُوصف المتكبرِّ بالأشِر إذا أُريد مِن وصفه بذلك المبالغة في اتِّصافه بالاستكبار والاستعلاء، كما يُقال لشديد الذكاء فطِن للمبالغة في وصفه بالفطنة، ويُوصف شديد المحاذرة في الأمور بالحذِر للمبالغة في اتصافه بالحذر.
هذا وقد يُطلق الأشِر وصفاً للرجل المتسِّرِّع والذي ينساق لأهواء النفس من غضبٍ أو رغبةٍ أو سخطٍ أو حبٍّ أو بُغض، فتكون الأهواء هي الباعثَ له على ما يتَّخذه من رأي.
وقد يُطلق وصفُ الأشِر على البطِر لإفادة معنى الدهشة والحيرة في مقابل الرشد، فالأشِر هو المصاب بدهشة في عقلِه أوجبت حيرته وضلالَه وفقدانَه للصواب والرشد، ولذلك يُطلق وصف البطِر والبطران على مَن بلغ به الطرب حدَّ الخروج عن الاعتدال فكأنَّه لشدَّة طربه قد فقَدَ صوابَه ورشده، وكذلك يُوصف الطاغي بالبطِر لأنَّه لشدَّة زهوه وإعجابه بنفسه وشدَّة وثوقه بقوَّته يخرج عن حدِّ الاعتدال فيما يفعل وفيما يُقرِّر وفيما يتَّخذه من رأي.
إذا اتَّضح ذلك فالآية بصدد الحكاية لِما كان يقوله قوم صالح في مقام المواجهة لدعوته فقوله: ﴿أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا﴾ استفهامٌ استنكاريٌّ من قوم صالح وأنَّه كيف يُعطى مقام النبوَّة ويهبط عليه الوحي من دوننا؟! فلماذا لا يكون ذلك لغيره ؟!
ثم قالوا ﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾ أي أنَّه (ع) -بحسب زعمهم- كذابٌ فيما يدَّعيه من النبوَّة وهو أشِرٌ أي أنَّه يبتغي من وراء دعواه التعالي والتكبُّر علينا، فهو كاذبٌ في دعواه متكبِّرٌ، يريد أنْ يتعظَّم علينا بالنبوَّة التي يدَّعيها لنفسه.
ويُحتمل أنَّ مرادَهم مِن وصفِه بالأشِر هو أنَّه رجل متسرِّع وغير متثبِّت وأنَّه منساق فيما يدَّعيه إلى أهواء النفس الحريصة على الظهور والتميُّز، كما يُحتمل أنَّ مرادهم من وصفه بالأشِر هو أنَّه رجل أصابته الدهشة والحيرة فأفقدته صوابه ورشده فادَّعى النبوَّة كذباً وعلى خلاف الواقع.
ثم إنَّ الآيات التي تلت هذه الآية تصدَّت لتفنيد ما زعمه قوم صالح فبدأت بقوله تعالى: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾(2) أي سوف يتبيَّن لهم يوم القيامة أو بعد نزول العذاب عليهم أو بعد ظهور المعجزات على يد نبيِّ الله صالح (ع) سيتيَّن لهم حينذاك مَن هو الكذابُ واقعاً، وأنَّهم المستحقُّون لهذا الوصف دون صالح (ع) كما سيتبين لهم مَن هو الأشِر المتكبِّر المستعلِي على الحقِّ، وفي ذلك إشارة إلى أنَّ الباعث لهم على الإنكار لنبوَّة صالح (ع) هو الاستكبار والتجبُّر وإباء نفوسِهم للخضوع والتواضع للحقِّ، فهم الأولى بوصف الأشِر وليس كما يزعمون من وصف نبيِّهم بهذا الوصف والذي يبتغون من وراء وصفه به صرفَ الناس عنه وتزهيدَهم في دعوتِه.
ولو كان المراد من الأشر هو المتسرِّع المنساق فيما يفعل إلى أهواء النفس فإنَّ مفاد الآية هو أنَّهم سوف يتبيَّنُ لهم مَن هو المتسرِّع الأهوج الذي فوَّتَ على نفسه فرص الهداية انسياقاً مع أهواء النفس.
ولو كان المراد من الأشِر هو المبتلى بالدهشة بالحيرة والضلال وفقدان الرشاد فإنَّ مفاد الآية هو أنَّهم سيعلمون غداً مَن هو المستحِق لهذا الوصف وأنَّ الواقع هو أنّهم بإعراضهم عن دعوة نبيِّهم صالح (ع) كانوا قد جانبوا الرشد وارتكسوا في الحيرة وتجاوزوا مقتضيات التعقُّل.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
22 / شعبان / 1445ه
4 / مارس / 2024م
1- سورة القمر / 25.
2- سورة القمر / 26.