معنى قوله (ص): "واستحيوا منه -عليَّاً (ع)- فإنَّ الله يستحيي منه"

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

سلام عليكم شيخنا:

وردت رواية ولعلَّها من طرق العامة عن النبيِّ (صلَّى الله عليه واله): "أحِبُّوا عليّاً فإنَّ اللَّه يُحِبُّهُ واستَحْيُوا مِنْهُ فإنَّ اللهَ يَستَحيي مِنه".

 

ما هو المقصود من قوله (ص): "استحيوا منه فإن الله يستحيي منه"؟

 

الجواب:

أورد هذه الرواية في الصراط المستقيم قال: وأسند ابن خلاد قول عقبة ابن عامر الجهني: بايعنا رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله على وحدانية الله، وأنَّه نبيُّه، وعليٌّ وصيُّه، فأيُّ الثلاثة تركنا كفرنا، وقال لنا: أحبُّوا هذا فإنَّ الله يُحبُّه، واستحيوا منه فإنَّ الله يستحيي منه"(1).

 

وكذلك ورد في ينابيع المودَّة قال: وعن عتبة بن عامر الجهني قال: بايعنا رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم على قول "أنْ لا الله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً نبيُّه، وعليَّاً وصيُّه" فأيُّ من الثلاثة تركناه كفرنا. وقال لنا النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم: أحبُّوا هذا -يعني عليَّاً- فإنَّ الله يُحبُّه، واستَحْيُوا مِنْهُ فإنَّ اللهَ يَستَحيي مِنه"(2).

 

والظاهر أنَّ المراد من قوله (ص): "واستحيوا منه" هو الأمر بتوقيره وإكباره وتعظيمه والإجلال لمقامه، فإنَّ ذلك هو لازم الحياء من الرجال عادة، فالرواية استعملت الملزوم وهو الحياء وأرادت لازمه وهو التوقير والإجلال والرعاية لجانب المأمور بالحياء منه، وهذا الاستعمال شائع في كلام العرب فحين يُقال: استحِ من ربِّك، فإنَّ معناه لا تفعل ما ينافي توقيره وتعظيمه والإجلال لمقامه جلَّ وعلا، وحين يُقال منعَه الحياءُ من زيد، فإنَّ مفاد ذلك هو أنَّ إجلاله لزيدٍ منعَه من الفعل.

 

وعليه يكون المراد من قوله (ص) -بحسب الرواية-: "فإنَّ اللهَ يستحيي منه" هو أنَّ الله تعالى يوقِّره ويُعلي من شأنه. فإنَّ ذلك هو المناسب لساحة قدسه المنزَّهةِ عن الحياء الذي هو بمعنى الفعل النفساني اللائق بالإنسان، فنسبةُ الحياء إلى الله تعالى تكون بمعنى نسبة أثره إليه وهو التوقير والتبجيل المساوق لإعلاء الدرجة تماماً كما هو نسبة الغضب إليه جلَّ وعلا فإنَّ معناه نسبة أثره وهو إيقاع العقوبة، وكذلك هو نسبة الحبِّ إليه جلَّ وعلا فإنَّ معناه نسبة أثره إليه وهو الإحسان والمثوبة.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

17 / شهر رمضان / 1445ه

28 مارس 2024م

------------------

1- الصراط المستقيم -علي بن يونس العاملي النباطي ج2 / ص51.

2- ينابيع المودة -القندوزي- ج2 / ص280.