هل تُعتبر العدالة في الفقير المستحِقِّ للزكاة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل تُشترط العدالة في الفقير المستحِق لزكاة الفطرة؟

الجواب:

الظاهر هو عدم اعتبار العدالة في الفقير المستحِق للزكاة الأعمِّ من زكاة الفطرة أو زكاة الأموال، وذلك لإطلاق الأدلَّة كالآية الشريفة المتصدِّية لبيان مصارف الزكاة وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا..}(1) فإنَّ مقتضى إطلاقها هو عدم اعتبار العدالة في الفقير والمسكين.

ويُمكن تأكيد عدم اعتبار العدالة في الفقير بما أفاده السيد الخوئي رحمه الله (2)  من أنَّ اشتراط العدالة في الفقير يكاد يستوجب تعطيل فريضة الزكاة في هذا المصرف، وذلك لكثرة الفقراء وقلَّة العدول فيهم خصوصاً وأنَّ البناء على اعتبار العدالة يقتضي عدم جواز إعطاء مشكوك العدالة، إذ أنَّ اعتبار العدالة يستلزم إحرازها في الفقير فلا يصحُّ لذلك إعطاؤها لمشكوك العدالة وهو ما يُنتج قلَّة مَن يصحُّ إعطاؤه من الفقراء، وهو ما ينافي الحكمة من تشريع الزكاة وهي رفعُ حاجة المؤمنين وسدُّ خلَّتهم كما نصَّت على ذلك الروايات، فلتكن هذه قرينة تُعزِّز من ظهور الأدلَّة في الإطلاق، وعلى أيِّ تقدير فإنَّ مقتضى إطلاقات الأدلَّة وخلوِّها عن اشتراط العدالة هو عدم اعتبار العدالة في الفقير المستحِق للزكاة .

نعم وردت روايةٌ أفادت المنع من إعطاء شارب الخمر للزكاة وهي رواية دَاوُدَ الصَّرْمِيِّ قَالَ: سَأَلْتُه عَنْ شَارِبِ الْخَمْرِ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئاً ؟ قَالَ: لَا " (3) 

فقد يُقال بأنَّ العرف يُلغي خصوصيَّة شرب الخمر ويستظهر من المنع عن إعطاء الزكاة لشارب الخمر إرادة المثال فتكون الرواية ظاهرة في المنع من إعطاء الزكاة لمطلق الفسَّاق.

إلا أنَّ الصحيح هو عدم إلغاء العرف لخصوصيَّة شرب الخمر، فإنَّ العرف يحتمل أنَّ شناعة هذه المعصية قد تكون هي الموجبة للمنع من إعطاء فاعلها للزكاة، وهو ما يمنع من استظهار إرادة المثال، نعم لا يبعد إلغاء خصوصية شرب الخمر بالإضافة إلى المعاصي المساوية لشرب الخمر في الشناعة كالزنا مثلاً وأوضحُ من ذلك المعاصي التي تفوقُ معصية شرب الخمر في الشناعة كترك الصلاة مثلاً وكذلك التجاهُر بارتكاب مطلق الكبائر الشنيعة بل يمكن الاستلال بالرواية على اعتبار عدم التجاهر بمطلق الكبائر الشنيعة من طريق الأولويَّة القطعية.

وثمة رواية أخرى قد يُستدلُّ بها على اعتبار العدالة في الفقير المستحق للزكاة وهي معتبرة أبي خديجة عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : "لا تُعط من الزكاة أحداً ممَّن تعول ، وقال : إذا كان لرجلٍ خمسمائة درهم وكان عيالُه كثيراً، قال : ليس عليه زكاة، يُنفقها على عياله، يزيدها في نفقتِهم وفي كسوتِهم، وفي طعامٍ لم يكونوا يَطعمونه، وإن لم يكن له عيال وكان وحده فليقْسِمها في قومٍ ليس بهم بأس أعفَّاء عن المسألة لا يسألون أحداً شيئا.."(4) وموضع الاستدلال قوله (ع): "فليقسمها في قوم ليس بهم بأس"

إلا أنَّ الصحيح هو عدم ظهور هذا الوصف في العدالة فإنَّه يمكن أن يكون المراد منه أنَّهم ملتزمون في الجملة بالفرائض وغير متجاهرين بالمعاصي الكبيرة كما هو شأنُ عامَّة الناس، ويحتمل أنَّ المراد من قوله(ع): "ليس بهم بأس" هو أنَّهم أعفاء بمعنى أنَّ قوله (ع) :" أعفَّاء عن المسألة لا يسألون أحداً شيئا.." سيق لغرض التفسير لقوله: " ليس بهم بأس" .

وعلى أيِّ تقدير فإنَّ الرواية ليست ظاهرة في اعتبار العدالة، على أنَّ الأمر بالتقسيم قد يصلح قرينة على أنَّ الإمام (ع) لم يكن بصدد بيان حصر المصرف – كما أفاد السيد الخوئي- (5) إذ لا إشكال في جواز عدم التقسيم وإعطاء تمام الزكاة لفقيرٍ واحد أو صرفه على مصرفٍ آخر غير الفقير من المصارف التي بيَّنتها الآية من سورة التوبة

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

27 شهر رمضان 1445ه

7 إبريل 2024م

------------------------

1- سورة التوبة: 60.

2- المستند في شرح العروة الوثقى- السيد الخوئي- ج 24/ 152.

3-الكافي – الكليني- ج3/ 563.

4-  وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج9/ 244.

5-المستند في شرح العروة الوثقى- السيد الخوئي- ج 24/ 153.