معنى الحديث الشريف: "مَنْ أَطَاعَ امْرَأَتَه أكبَّه الله .."

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص) مَنْ أَطَاعَ امْرَأَتَه أَكَبَّه اللَّه عَلَى وَجْهِه فِي النَّارِ، قِيلَ: ومَا تِلْكَ الطَّاعَةُ؟ قَالَ: تَطْلُبُ مِنْه الذَّهَابَ إِلَى الْحَمَّامَاتِ والْعُرُسَاتِ والْعِيدَاتِ والنِّيَاحَاتِ والثِّيَابَ الرِّقَاقَ"(1).

سماحة الشيخ، نفهم حرمة طاعتها في الثياب الرقاق ولكن ماذا عن الحمامات والعرسات والعيدات؟ وماذا يعني بالعيدات؟

الجواب:

مفاد الرواية هو النهي والتحذير للرجل من الاستجابة لما تطلبه الزوجة في فعل ما هو محرَّم أو فعل ما هو مناف للحشمة والستر، فالحمامات العامَّة والأعراس ومحافل الأعياد ومجالس النوح على الأموات كلُّها مواضع ومواطنُ تكون فيها المرأة في معرض الاختلاط بالرجال أو في معرض اطلاع الرجال على بعض خصوصياتها أو زينتها لذلك تُحذر الرواية من الاستجابة لطلب الزوجة الذهاب لهذه المواضع دون تثبُّت.

فمعنى الطاعة هو الاستجابة لطلب الزوجة مطلقاً، وذلك هو المنهي عنه في الرواية، وهذا لا يعني عدم الإذن لها بعد التثبُّت من عدم استلزام الذهاب لما يُنافي الحشمة والستر، إلا أنَّه بعد التثبُّت والنظر -فيما هو المناسب وفيما هو غيرُ مناسب- لا يُقال له طاعة وإنَّما يُقال له -لغةً وعرفا- إذن، فلا يُقال للزوج حينما يأذنُ لزوجته بعد تقدير المصلحة والمفسدة أنَّه أطاعها وإنَّما يقال: أذن لها.

فالرواية تنهى عن الطاعة والتي تعني الاستجابة للطلب مطلقاً دون تريُّث ودون نظر. تماماً كما هو معنى طاعة الله تعالى -مثلاً- فإنَّ معناها هو الاستجابة لأمره تعالى مطلقاً دون نظر، وكذلك هي طاعة الرسول (ص) وطاعة السيِّد، فالمنهيُّ عنه في الرواية هو هذا النحو من الاستجابة لطلب الزوجة، ولا تنهى الرواية عن الإذن لها لو قَدَّر الزوجُ في بعض الفروض والحالات عدم منافاة الاستجابة لمقتضيات الحشمة والستر.

وأما أنَّ الموارد المذكورة في الرواية تكون فيها المرأةُ في مَعرَض الاختلاط بالرجال أو في مَعرض إطِّلاع الرجال على بعض خصوصياتها أو زينتها فيُعرف من ملاحظة ما عليه العرفُ السائدُ آنذاك فيما يتَّصل بالحمامات العامَّة والتي تتخلَّى فيها المرأة عن ثيابها للاستحمام، ويتصدَّى بعض النساء العاملات لتنظيفها وطليها، وهذا يقتضي التثبت من وثاقة المُلاك للحمام ووثاقة العاملات فيه وحرصهن على التكتم والستر، وكذلك طبيعة مَن يرتاده من النساء مضافاً إلى التثبُّت من موقعِه وأنَّه حصين يمتنعُ على الفساق استراق النظر منه.

وهكذا هو الشأن في محافل الأعراس والتي يعتاد النساء فيها بارتداء لباس الزينة وتكون فيها روائح الطيب والتجمير منبعثة، وتكون موضعاً للغناء والتصفيق، فلا بد من التثبُّت من أنَّ ذلك سوف يكون بعيداً عن محضر الرجال وسمعهم ونظرهم. وكذلك هي أيام الأعياد فإنَّ الطرقات والمحافل العامَّة تكون مزدحمة بالرجال والصبيان والنساء غير المنضبطات.

وأمَّا مجالس النوح على الأموات فكثيراً ما يتفق لأهل المصيبة وأقربائهن الذهول عن مقتضيات الحشمة، وذلك برفع الصوت والعويل، والغفلة عن العناية بالستر بل قد يتَّفق الشقُّ للجيوب والخمش للوجوه وتفريع الشعور، وكذلك يتَّفق كثيراً للحاضرات مجلس العزاء لتفاعلهن مع أهل المصيبة، لهذا لابدَّ من التثبُّت من أنَّ ذلك يقع بعيداً عن محافل الرجال.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

25 / شوال / 1445ه

4 / مايو / 2024م


1- الكافي -الكليني- ج6 / ص517.