إعراب: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

قوله تعالى من سورة النساء: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.

كيف صارت كلمة ﴿وَالْمُقِيمِينَ﴾ منصوبة بالياء وهي معطوفة على قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ﴾؟

الجواب:

قوله تعالى: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾ ليس معطوفاً على قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ﴾ بل هو جملة معترضة، فالواو ليست عاطفة بل هي للاعتراض، وكلمة المقيمين مفعول به على الاختصاص والمدح أي أنّها مفعول به لفعل محذوف تقديره وأخصُّ المقيمين الصلاة. وإنَّما سيقت هذه الجملة المعترضة لغرض التعبير عن فضل الوصف بالإقامة للصلاة والتعبير عن أهمية هذه الصفة من بين صفاتهم.

وبيان ذلك: هو أنَّه تارة يؤتى بالوصف لغرض التعريف والتمييز، وهنا يأخذُ الوصف حكم الموصوف، فحين يُقال: جاء زيد العالم، وكان المقصود من الوصف بالعالم هو تمييزه عن زيد الذي ليس عالماً ففي مثل هذا الفرض يُقال جاء زيدٌ العالمُ فيأخذ الوصف حكم الموصوف في الرفع، وكذلك لو قلتَ: مررتُ بزيدٍ العالم، وكان المقصود من الوصف هو التمييز والتعريف فإنَّ العالم يأخذُ حكم الموصوف وهو الجر.

أمَّا لو كان الغرض من سَوق الوصف هو المدح والثناء وبيان الاختصاص وكذلك لو كان المقصود منه الذمَّ وبيان الاختصاص فإنَّ المتعارف أو قل المناسب في مثل هذا الفرض هو نصب الوصف على تقدير فعل أمدح أو أذم أي أخص بالمدح أو الذم، فلو قيل جاء زيدٌ العالم وكان المقصود من الوصف هو مدحه فإنَّ المناسب هو نصب كلمة العالم للتعبير عن أنَّ المراد من سَوق الوصف هو المدح وليس التعريف والتمييز، فيُقال جاء زيدٌ العالمَ بالفتح، فيكون الوصف مفعولاً لفعل محذوف تقديره أخصُّ العالمَ أي أخصُّه بالمدح، وهكذا لو قيل جاء زيد الوضيعَ، فإنَّ كلمة الوضيع مفعولٌ به لفعلٍ محذوف تقديره أخصُّ الوضيع أي أخصُّه بالذم.

وكذلك هو الشأن في المقام فإنَّ كلمة المقيمين لم يؤتَ بها لغرض التعريف والتمييز للراسخين والمؤمنين وإنَّما سيقت لغرض مدحِهم بإقامة الصلاة، فلو جاءت كلمة المقيمين مرفوعة بالواو لتوهَّم المتلقِّي أنَّ المراد هو تعريف الراسخين ولفات على المتكلِّم بيان أنَّ مراده المدح والتأكيد على أهمية الصلاة، فنصبُ المقيمين للصلاة سيق لغرض المدح وبيان فضل الإقامة للصلاة، فقوله تعالى: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ معناه وأخصُّ المقيمين للصلاة أي أخصُّهم بالمدح والتنويه. فيكون مؤدَّى الآية لكن الراسخون في العلم والمؤمنون خصوصاً المقيمين الصلاة، ثم عاد وقال والمؤتون الزكاة.

هذا وقد ذكرت وجوهاً أخرى لنصب المقيمين لا تخلو من تكلُّف.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

18 / ذو الحجة / 1445ه

25 / يونيو / 2024م


1- سورة النساء / 162.