دلالة زواجه (ع) من الخارجيَّة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

موثقة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتَكَ الشَّيْبَانِيَّةَ خَارِجِيَّةٌ تَشْتِمُ عَلِيّاً (ع) فَإِنْ سَرَّكَ أَنْ أُسْمِعَكَ مِنْهَا ذَاكَ أَسْمَعْتُكَ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا كَانَ غَداً حِينَ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ كَمَا كُنْتَ تَخْرُجُ فَعُدْ فَاكْمُنْ فِي جَانِبِ الدَّارِ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ كَمَنَ فِي جَانِبِ الدَّارِ، فَجَاءَ الرَّجُلُ فَكَلَّمَهَا فَتَبَيَّنَ مِنْهَا ذَلِكَ، فَخَلَّى سَبِيلَهَا، وكَانَتْ تُعْجِبُه"(1).

آلا تدلُّ الرواية على عدم علم الإمام (ع) بالموضوعات الخارجية؟

الجواب:

ليس في الرواية دلالة على أنَّ الإمام (ع) كان يجهل بواقع المرأة، غايته أنَّ الرجل الناصح توهَّم أنَّ الإمام (ع) كان يجهل بواقعها، لاستبعاده أنَّ يُقدِم الإمام (ع) على الزواج منها وهي خارجيَّة لذلك تصدَّى لإخباره فسايَره الإمام (ع) فلم يُخبره أنَّه يجهلُ بواقعها كما أنَّه لم ينفِ علمَه بواقعِها، فليس في الرواية ما يدلُّ على أنَّ الإمام (ع) كان يجهلُ بواقعها.

وأمَّا قبوله بالكمون في جانب الدار فلعلَّه أراد أنْ لا يُطلِّقها قبل أنْ يظهر منها معصيةُ الشتم لأمير المؤمنين (ع) فالإمام (ع) وإنْ كان يعلم بواقعِها ولكنَّه لم يجدْ بأساً في الإبقاء عليها ما دامت تكتمُ عقيدتها إلا أنَّه حين أظهرت الشتم لأمير المؤمنين(ع) طلَّقها، فقوله (ع): "فتبيَّن منها ذلك" معناه أنَّه ظهرَ منها ما كانت تُخفيه من شتم أمير المؤمنين (ع).

فالروايةُ لا تقول أنَّه تبيَّن للإمام (ع) ما كان يجهلُه مِن واقعها وإنَّما أفادت أنَّه تبيَّن منها ذلك يعني ظهر على لسانها ما كانت تُخفيه من التنقُّص لأمير المؤمنين(ع)، وعليه فمفادُ قوله (ع):" فَخَلَّى سَبِيلَهَا" هو أنَّه طلَّقها لأنَّها أظهرت التنقُّص والشتم لأمير المؤمنين (ع) فلم يكن الطلاق والتخلية ناشئاً عن علمِه بواقعها بعد جهله بل لأنَّها أظهرت الشتم والتنقُّص لأمير المؤمنين (ع)

وببيان آخر: الرواية لا تنفي أنَّ الإمام (ع) كان يعلم بواقع الشيبانيَّة حين أقدمَ على الزواج منها، والقول بأنَّه لو كان يعلم بكونها خارجيَّة فكيف تزوَّجها والحال أنَّ الزواج من الخارجيَّة محرمٌ فجوابه أنَّ دعوى الحرمة هو أول الكلام، فلعلَّ الزواج من الخارجيَّة مباحٌ في نفسِه حتى في فرض العلم.

وأمَّا لماذا طلَّقها بعد أنَّ أظهرت الشتم لأمير المؤمنين (ع) فلعلَّه اشترط عليها الكتم لعقيدتها فلمَّا أظهرتها طلَّقها، ولعلَّها كانت ملتزمة بكتم عقيدتها فلم يجد غضاضةً في الزواج منها لبعض الاعتبارات والخصوصيَّات التي نجهلُها لكنَّها حين أظهرت عقيدتها طلَّقها، لا لأنَّ طلاقَها واجبٌ بل لأنَّه يكره البقاء معها بعد أنْ لم تكتم عقيدتها أو بعد أنْ لم تلتزم بعهدها.

وأمَّا قوله (ع): "وكَانَتْ تُعْجِبُه" فلعلَّ ذلك ناشئاً عن حُسن خُلقها ومعاشرتها له بالمعروف ومداراتِها له فلا تُظهر له من عقيدتها ما يُزعجه، تماماً كما لو تزوَّج أحدٌ بيهوديَّة أو نصرانيَّة فهو يعلم برأيها في النبيِّ الكريم (ص) لكنَّه لا يجدُ في ذلك غضاضةً بعد أنْ كانت تُداريه لكنَّها لو أظهرت عداءها للنبيِّ الكريم (ص) فإنَّه سوفَ يمقتُها ويُطلِّقها رغم أنَّها كانت تُعجبُه.

فقوله (ع): "وكَانَتْ تُعْجِبُه" لا يدلُّ على جهله بواقعِها، فالرواية لا تصلحُ للدلالة على عدم علم الإمام (ع) بالموضوعات الخارجيَّة.

ثم إنَّه لو صحَّ البناء على حرمة الزواج من الخارجيَّة فإنَّ الحرمة مقيَّدة بإظهارها العداوة لأمير المؤمنين (ع) فزواج الإمام (ع) لا يدلُّ على عدم العلم بواقعها فلعلَّها كانت ملتزمة واقعاً بعدم إظهارها للعداوة فلمَّا أظهرتها طلَّقها، وأما علم الرجل بواقعها فلا يدلُّ على أنّها كانت تُظهر العداوة وإنَّما نشأ علمُه بعقيدتها بسبب ما يعرفه من أبيها أو قبيلتها وكان يتوهَّم أن مجرَّد الانتماء لهذه العقيدة موجب لحرمة الزواج منها وإنْ لم تظهر العداء لأمير المؤمنين (ع) لذلك بادر إلى إخبار الإمام (ع) والإمام لم يبادر إلى طلاقها إلا بعد أن صدر منها الإظهار لعدائها إلى أمير المؤمنين (ع).

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

26 / ربيع الثاني / 1446ه

30 / أكتوبر / 2024م


1- الكافي -الكليني- ج5 / ص351.