نفوذ شهادة الصبي؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يصحُّ اعتماد شهادة الصبيِّ مطلقاً أو في الجملة أو أنَّ البلوغ معتبرٌ في نفوذ الشهادة؟

الجواب:

عدم نفوذ شهادة الصبي غير المميِّز:

أما الصبيُّ غير المميِّز فلا إشكال في عدم نفوذ شهادته، وكلُّ استُدلَّ به على عدم نفوذ شهادة الصبيِّ المميِّز فإنَّه صالح للاستدلال به على عدم نفوذ شهادة الصبي غير المميِّز بالأولوية، كما أنَّ ما استدلًّ به على نفوذ شهادة الصبيِّ في الجملة فإنَّه لا يصلح لإثبات صحة اعتماد شهادة الصبيِّ غير المميز وذلك لانصرافها عن مثله شأنه في ذلك شأن البهائم -كما أفاد السيد الخوئي(1)- ولهذا لم يختلف المسلمون بل مطلق العقلاء في عدم نفوذ شهادة الصبي غير المميِّز.

الاستدلال على عدم نفوذ شهادة الصبيِّ المميِّز:

وأمَّا الصبيُّ المميِّز فالمشهور شهرة عظيمة عدم نفوذ شهادته إلا في موارد تمَّ النصُّ عليها.

وقد استدلَّ لذلك بعددٍ من الوجوه أهمُّها:

الوجه الأول: الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾(2) والرجل لا يصدق على الصبيِّ كما هو واضح.

والذي يردُ على هذا الوجه هو أنَّ الآية وإنْ كانت تُثبت الحجيَّة لشهادة الرجل إلا أنَّها لا تنفي الحجيَّة عن شهادة الصبيِّ. ولهذا لو قام دليلٌ على حجيَّة شهادة الصبيِّ فإنَّه لا يكون معارَضاً بالآية المباركة.

إلا أنَّ يستظهر من الآية أنَّها في مقام تحديد مَن تكون شهادته صالحة للنفوذ وذلك بقرينة التصدِّي لتعداد الفروض التي تكون معها الشهادة قابلة للنفوذ فتكون الآية دالَّة على عدم نفوذ شهادة الصبي بالإطلاق المقامي وإلا لتصدَّت للقول -مثلاً- واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإنْ لم يكونا رجلين فأربعةُ صبيان أو ما أشبه ذلك.

الوجه الثاني: الاستدلال بما دلَّ من الآيات والروايات على اعتبار العدالة في الشاهد كقوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه﴾(3) وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ﴾(4) ومن الواضح أنَّ الصبيَّ لا يتَّصف بالعدالة وعدمها لعدم كونه مكلَّفاً، فالعدالة تعني ملكة الاستقامة أو الاستقامة المقتضية للانضباط بضوابط الشرع، والصبي غيرُ مخاطَبٍ بضوابط الشرع، لذلك لا يصحُّ وصفُه بالعادل كما لا يصحًّ وصفه بالفاسق، فالعدالة والفسق كما أفاد السيد الخوئي(5) من قبيل الملكة والعدم لا يقبلان التوارد على غيرِ المكلَّف.

الوجه الثالث: الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) والتي نفت الحجيَّة عن شهادة الصبيِّ:

منها: معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "إنَّ شهادة الصبيِّ إذا أشهدوهم وهم صغار جازتْ إذا كبروا ما لم ينسوها"(6).

ومنها: معتبرة إسماعيل بن أبي زياد (السكوني) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام): "إنَّ شهادة الصبيان إذا شهدوا وهم صغار جازت إذا كبروا ولم ينسوها، وكذلك اليهود والنصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم، والعبد إذا شهد بشهادة ثم أعتق جازت شهادتُه إذا لم يردها الحاكم قبل أن يُعتق"(7).

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): "في الصبيِّ يشهد على الشهادة؟ قال: إن عقله -حين يُدرك- أنَّه حقٌّ جازت شهادتُه"(8).

مفاد الروايات الثلاث أنَّه لا بأس من تحمُّل الصبي في ظرف صباه للشهادة وأما أداءُ الشهادة فلا يصحُّ منه ولا يكون مقبولاً ونافذاً ما لم يُدرك، فالشهادة الناجزة -بحسب الروايات الثلاث- هي التي تؤدَّى في ظرف الإدراك والبلوغ وإنْ كان تحمُّلها قد وقع في ظرف الصبا.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): لم تجز شهادة الصبيِّ، ولا خصم، ولا متَّهم، ولا ظنِّين"(9) ودلالة الرواية ظاهرة، إذ أنَّ معنى نفي الجواز هو نفي النفوذ والحجيَّة.

ومنها: صحيحة محمّد بن حمران، قال: سألتُ أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن شهادة الصبي، قال: "فقال: لا، إلّا في القتل، يؤخذ بأوّل كلامه ولا يؤخذ بالثاني"(10) ودلالتها على نفي الاعتبار والحجيَّة عن شهادة الصبيِّ ظاهرة، وأما استثناء القتل فسيأتي الحديث حوله إنْ شاء الله تعالى.

ما يُقابل مستند المشهور:

وفي مقابل ما ذهب إليه المشهور ذهب البعض إلى نفوذ شهادة الصبيِّ إذا بلغ عشر سنين مستنداً في ذلك -ظاهرا- إلى ما ورد في صحيحة أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ قَالَ: سَأَلْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ جَعْفَرٍ مَتَى تَجُوزُ شَهَادَةُ الْغُلَامِ؟ فَقَالَ: إِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ قَالَ: قُلْتُ ويَجُوزُ أَمْرُه قَالَ: فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّه (ص) دَخَلَ بِعَائِشَةَ وهِيَ بِنْتُ عَشْرِ سِنِينَ ولَيْسَ يُدْخَلُ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَكُونَ امْرَأَةً فَإِذَا كَانَ لِلْغُلَامِ عَشْرُ سِنِينَ جَازَ أَمْرُه وجَازَتْ شَهَادَتُه"(11).

وهذه الرواية لو تمَّت فإنَّها تصلحُ لتقييد الروايات السابقة بناءً على أنَّ المراد من الصبيِّ في الروايات السابقة هو مطلق الصبيِّ الشامل لغير المميِّز، بل حتى بناءً على أنَّ المراد من الصبيِّ في الروايات السابقة هو خصوص المميِّز فإنَّ هذه الرواية صالحة لتقييدها فإنَّ التمييز قد يتَّفق لمَن لم يبلغ سنَّ العاشرة إلا أنْ يقال إنَّ اتفاق التمييز قبل سنِّ العاشرة في غاية الندرة فلا يصحُّ حملُ الروايات السابقة عليه لأنَّه من حمل المطلق على الفرد النادر وهو مستهجَن أو قلْ إن تقييدها بسنِّ العاشرة يلزم منه إخراج الأكثر من الروايات المطلقة النافية للحجيَّة، وعليه فالمتعين البناء على استحكام التعارض بين الروايات النافية وبين صحيحة أبي أيوب إذ أنَّ مفاد الروايات النافية هو عدم حجيَّة شهادة الصبيِّ المميِّز، ومفاد صحيحة أبي أيوب هو حجيَّة شهادة الصبيِّ المميِّز.

إلا أنَّ الذي يُهوِّن الخطب أنَّ صحيحة أبي أيوب فاقدة للاعتبار والحجيَّة في نفسها، وذلك لكونها مرويَّة عن غير المعصوم، فإسماعيل بن جعفر لا حجيَّة لقوله إلا أنْ يروي ما ذكره عن المعصوم، ولا يظهر من الرواية ذلك، ولهذا فهي فاقدة للاعتبار، فلا تصلح لمعارضة ما دلَّ على عدم نفوذ شهادة الصبيِّ.

موارد قيل باستنائها من الحكم بعدم نفوذ شهادة الصبي:

بقي الكلام في الموارد التي يمكن أنْ يدَّعى أنَّها مستثناة من الحكم بعدم نفوذ شهادة الصبيِّ، وهي ثلاثة موارد:

شهادة الصبيِّ في الأمر الدون:

المورد الأول: شهادة الصبي في الأمر الدون، فإنَّه قد يقال بنفوذها فيه استناداً إلى صحيحة عبيد بن زرارة، قال: سألتُ أبا عبداللّه‏ (عليه السلام) عن شهادة الصبيِّ والمملوك؟ فقال: "على قدرها يُوم اُشهد، تجوز في الأمر الدون، ولا تجوز في الأمر الكبير"(12) 

وأورد السيِّد الخوئي عليها بثلاثة إيرادات(13):

الإيراد الأول: هو إجمال المراد من مفهوم الأمر الدون المقابل للأمر الكبير، وذلك لأنَّ الصغر والكبر من العناوين المتضايفة، فالشيءُ الواحد يُعدُّ صغيراً بالإضافة إلى ما هو أكبر منه، وفي ذات الوقت يُعدُّ كبيراً إذا أُضيف إلى ما هو أصغرُ منه، فالإحالة على عنوان الصغير والكبير إحالةٌ على عنوان مجملٍ وغير منضبط.

إلا أنَّه قد يفال إنَّ الرواية ظاهرة في إرادة نفوذ شهادة الصبي في المحقِّرات من الأمور لدى العرف والتي لها قدرٌ متيقنٌ عرفاً، فيُمكن البناء على نفوذ شهادة الصبيِّ فيها ونتمسَّك في موارد الشك بإطلاقات ما دلَّ على عدم نفوذ شهادة الصبي.

الإيراد الثاني: أنَّ الرواية تقتضي عدم نفوذ شهادة المملوك مطلقاً إلا في الأمر الدون وهو مقطوع البطلان لقيام الأدلَّة على نفوذ شهادته مطلقاً، فاشتمال الرواية على ما هو مقطوع البطلان يسلب الوثوق بصدورها أو يقرِّب صدورها تقية.

والظاهر عدم تماميَّة هذا الإشكال لإمكان الالتزام بصدور الشقِّ المتصل بالمملوك تقيةً، وأما الشقُّ المتصل بشهادة الصبي فنلتزم به، وهذا ما يُعبر عنه بالتبعيض في الحجيَّة، وبتعبير آخر: اشتمال الرواية على ما هو مقطوع البطلان إنَّما يقتضى سقوط ذلك المقدار عن الحجيَّة، وأمَّا ما عداه فلا موجب لنفي الحجيَّة عنه بعد افتراض واجديته لشرط الحجيَّة.

الإيراد الثالث: أنَّ الرواية شاذَّةٌ ومهجورة، فلم يفتِ أحدٌ من الفقهاء بمضمونها، والحقُّ أنَّ ذلك كافٍ لسقوطها عن الاعتبار والحجيَّة حتى بناءً على الالتزام بأنَّ إعراض المشهور ليس مانعاً من الحجيَّة. إذ أنَّ الإعراض الذي لا يضرُّ بالحجيَّة هو الذي لا تكون معه الرواية شاذَّة ومهجورة.

شهادة الصبيِّ في القتل:

المورد الثاني: شهادة الصبي في القتل فإنَّها نافذة أذا كانت واجدة لشرائطها والمستند في ذلك روايات عديدة:

منها: صحيحة جَمِيلٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): يَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ فِي الْقَتْلِ، يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ كَلَامِه، ولَا يُؤْخَذُ بِالثَّانِي مِنْه"(14).

ومنها: صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ شَهَادَةِ الصَّبِيِّ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا إِلَّا فِي الْقَتْلِ، يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ كَلَامِه، ولَا يُؤْخَذُ بِالثَّانِي"(15).

ومنها: ما رواه الصدوق في (العلل) و(عيون الأخبار) بأسانيده إلى محمد بن سنان عن الرضا (عليه السلام) فيما كتب إليه من العلل: "وعلَّة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال، لضعفهن عن الرؤية ومحاباتهن النساء في الطلاق، فلذلك لا تجوز شهادتهن إلا في موضع ضرورة، مثل شهادة القابلة، وما لا يجوز للرجال أنْ ينظروا إليه كضرورة تجويز شهادة أهل الكتاب إذا لم يُوجد غيرهم، وفي كتاب الله عز وجل: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ مسلمين ﴿أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ كافرين، ومثل شهادة الصبيان على القتل إذا لم يُوجد غيرهم"(16).

والروايات الثلاث ظاهرة في المطلوب، نعم اشترطت الرواية الثالثة في نفوذ شهادة الصبيان في القتل عدم وجود غيرهم، وهذا الشرط يكون لازماً حتى مع البناء على ضعف سند الرواية فالفروض المتصورة في المقام -كما أفاد السيد الحائري(17)- ثلاثة، فإمَّا أنْ يفترض وجود بالغين يشهدون بالقتل، وهنا يكون إثبات القتل بشهادة البالغين، والبناءُ في هذا الفرض على قبول شهادة الصبيان لا ثمرة له لكفاية ثبوت القتل بالبالغين سواءً شهد معهم الصبيان أو لم يشهدوا، وتارة يُفترض وجود بالغين يشهدون بما ينفي شهادة البالغين، وهنا لا تكون شهادة الصبيان نافذة لمعارضتها بشهادة البالغين، فإن المستظهر بمناسبات الحكم والموضوع هو أنَّ نفوذ شهادة الصبيِّ في القتل إنما هو لأجل أن لا يذهب دمُ المسلم هدرا، وليس لأجل أنَّ شهادة الصبي خاليةٌ من الضعف في مورد القتل، وعليه فإنَّ المنصرَف عرفاً من الحكم بنفوذ شهادة الصبيِّ هو فرض عدم معارضتها بشهادة البالغين، والفرض الثالث هو عدم وجود شهود على القتل من البالغين وعدم وجود شهود من البالغين على النفي، وهذا هو الفرض الذي تكون فيه شهادة الصبيان نافذة. وبذلك يتعيَّن المورد الذي تنفذ فيه شهادة الصبيان على القتل وهو فرض عدم وجود مَن يشهد عليه من البالغين وعدم وجود مَن يشهد بالنفي من البالغين.

هل يختص النفوذ بشهادة الصبيان فيما بينهم:

هذا ويظهر من كلمات صاحب الجواهر(18) البناء على اختصاص نفوذ شهادة الصبيان في القتل إذا اتفق وقوعه فيما بينهم، واستدلَّ على ذلك بمعتبرة السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: رُفِعَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع سِتَّةُ غِلْمَانٍ كَانُوا فِي الْفُرَاتِ فَغَرِقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ عَلَى اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غَرَّقَاه وشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَنَّهُمْ غَرَّقُوه فَقَضَى ع بِالدِّيَةِ أَخْمَاساً ثَلَاثَةَ أَخْمَاسٍ عَلَى الِاثْنَيْنِ وخُمُسَيْنِ عَلَى الثَّلَاثَةِ"(19).

ومعتبرة طلحة بن زيد عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) قال: "شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم"(20).

إلا أنَّ ما يردُ على الاستدلال بمعتبرة السكوني هو أنَّ موردها وإنْ كان هو شهادة الصبيان فيما بينهم على القتل إلا أنَّه ليس فيها ما يدلُّ على انحصار نفوذ شهادة الصبيان بمورد الرواية فلا موجب لرفع اليد عما يقتضيه إطلاق مثل صحيحة محمد بن حمران.

وأمَّا صحيحة طلحة بن زيد فالظاهر أنَّها متصدِّية لبيان موردٍ آخر من موارد قبول شهادة الصبيان، إذ لو كان البناء على تقييدها لما دلَّ على نفوذ شهادة الصبيِّ في القتل لكان ذلك موجباً لحمل إطلاقات نفوذ شهادة الصبي في القتل على الفرد النادر، إذ أنَّ اتفاق وقوع القتل بين الصبيان مع افتراض عدم تفرُّقهم في غاية الندرة، ولهذا يكون تقييد إطلاقات نفوذ شهادة الصبي يهذا الفرض مستهجَنٌ عرفاً لا يسوغ حمل الكلام عليه. فالصحيح هو قبول شهادة الصبيِّ في القتل مطلقاً من هذه الجهة.

نعم ما ذهب إليه عددٌ من الأعلام من تعدية الحكم بنفوذ شهادة الصبيِّ في القتل إلى الحكم بنفوذ شهادته في الجرح لا يتمُّ، لأنَّ مورد الروايات هو شهادة الصبيِّ في القتل فلا موجب لتجاوزها إلى غيره بل يكون المرجع في غير القتل هو إطلاقات ما دلَّ على عدم نفوذ شهادة الصبي.

شهادة الصبيان فيما بينهم:

المورد الثالث: هو شهادة الصبيان فيما بينهم ما لم يتفرَّقوا كما نصَّت على ذلك معتبرة طلحة بن زيد عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) قال: "شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم"(21).

والظاهر أنَّ المقصود من قوله: "فيما بينهم" أنَّ الشاهد والمشهود عليه من الصبيان، فشهادة الصبيان في هذا المورد تكون نافذة ما لم يتفرقوا ويرجعوا إلى أهلهم، ومقتضى إطلاقها هو نفوذ شهادتهم على بعضهم في القتل وغيره من سائر الجنايات، وكذلك فإنَّ مقتضى الإطلاق هو عدم اشتراط نفوذ شهادتهم بما إذا كان اجتماعهم على مباح كما ذهب لذلك بعض الأعلام، فإنَّ الصبي غير مكلَّفٍ، على أنَّ الرواية مطلقة، فلا موجب لتقييدها بالاجتماع على مباح.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

6 / جمادى الأولى / 1446ه

9 / نوفمبر / 2924م


1- القضاء والشهادات -السيد الخوئي- ج1 / ص241.

2- سورة البقرة / 282.

3- سورة الطلاق / 2.

4- سورة المائدة / 106.

5- القضاء والشهادات -السيد الخوئي- ج1 / ص245.

6- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص342. 

7- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص349.

8- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص342.

9- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص374.

10- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص344.

11- الكافي -الكليني- ج7 / ص388، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص344.

12- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص345.

13- مباني تكملة المنهاج -السيد الخوئي- ج1 / ص95. 

14- الكافي -الكليني- ج7 / ص389، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص343.

15- الكافي -الكليني- ج7 / ص389، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص344.

16- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص365.

17- القضاء في الفقه الإسلامي -الحائري- ص309.

18- الجواهر ج41 / ص13.

19- الكافي -الكليني- ج7 / ص284، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج29 / ص235.

20- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص345.

21- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص345.