شهادة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل تُقبل شهادة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها؟

الجواب:

نفوذ شهادة الرجل لزوجته ودليله: 

المشهور بين الفقهاء خصوصاً المتأخِّرين منهم -كما أفاد صاحب الجواهر(1)- هو نفوذ شهادة الزوج لزوجته وعليها بل أدُّعى على ذلك الإجماع، ويُمكن الاستدلال لذلك بعددٍ من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):

الأولى: صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِه والْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا إِذَا كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا"(2).

الثانية: موثّقة سماعة في حديثٍ قال: سألتُه عن شهادة الرجل لامرأته؟ قال: نعم، والمرأة لزوجها؟ قال:لا، إلّا أنْ يكونَ معها غيرها"(3).

الثالثة: صحيحة عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) أَوْ قَالَ: سَأَلَه بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الرَّجُلِ يَشْهَدُ لِامْرَأَتِه؟ قَالَ: إِذَا كَانَ خَيِّراً جَازَتْ شَهَادَتُه لِامْرَأَتِه"(4).

وكذلك يُمكن الاستدلال بإطلاقات ما دلَّ على نفوذ شهادة العدل فحيث لم يقم دليلٌ على تقييدها بغير الزوج لذلك تكون مقتضية لحجيَّة شهادة الزوج شأنُها شأن شهادة سائر العدول، ومن ذلك يتبين مدرك حجيَّة شهادة الزوج على زوجته، فالروايات الخاصَّة التي تقدّمَت وإنْ كان موردُها الشهادة للزوجة إلا أنَّه يكفي لإثبات حجيَّة الشهادة على الزوجة ما دلَّ على حجيَّة شهادة العدل، هذا ويُمكن الاستدلال بالروايات الخاصة المتقدِّمة من طريق الأولوية، فإذا كانت الزوجية المقتضية بحسب الطبع للتهمة بالممالاة لم تمنع من نفوذ شهادة الزوج لزوجته فنفوذ شهادته على زوجته أولى وأوضح وذلك لانتفاء التهمة. فليكن ذلك مؤيداً، والعمدة هو إطلاقات ما دلَّ على نفوذ شهادة العدل.

شهادة المرأة لزوجها:

وأمَّا شهادة المرأة لزوجها فكذلك هي مقبولةٌ مطلقاً كما نُسب ذلك لأكثر القدماء وكافَّة المتأخِّرين -بحسب ما أفاده صاحب الجواهر(5)- وأمَّا اعتبار الضميمة المستفاد من صحيحة الحلبي وموثقة سماعة فلأنَّ شهادة المرأة لا تتمُّ بها البيِّنة إلا إذا انضمَّت إليها شهادةٌ أو شهاداتٌ أخرى إلا في الوصية، وعلى خلاف ذلك شهادة الرجل فإنَّها إذا لم تنضم إليها شهادة رجلٍ آخر فإنَّها تصحُّ وتكون نافذة لو انضمَّت إليها يمينُ المدَّعي.

ومن ذلك يتبيَّن أنَّ شهادة الزوجة لزوجها كشهادتها لغيره وكشهادة مطلق المرأة لغيرها، فكما يُعتبر في شهادة مطلق المرأة لغيرها أنْ تنضمَّ إليها شهادةٌ أو شهاداتٌ أخرى فكذلك هو الشأن في شهادة الزوجة لزوجها، ومعنى قبول شهادتها لزوجها مطلقاً هو صلاحيتها مطلقاً لأن تثبتَ بها الدعوى إذا انضمَّ إليها ما تتمُّ به البيِّنة. فليس في المقام قيدٌ زائد على ما يُعتبر في شهادة المرأة لغيرها. وكذلك يترتَّب على استظهار قبول شهادة الزوجة لزوجها مطلقاً وأنَّ الروايات المتقدِّمة لم تكن بصدد إضافة قيدٍ زائد على ما يُعتبر في شهادة المرأة يترتَّبُ على ذلك أنَّه في المورد الذي تثبت به شهادة المرأة دون أن تنضمَّ إليها شهادة أخرى تثبت أيضاً شهادة الزوجة لزوجها دون الحاجة إلى ضميمة كما في الشهادة بالوصية فإنَّ شهادة المرأة وحدها بالوصية يثبت بها ربعُ الثلث كذلك شهادة الزوجة وحدها بالوصية يثبتُ بها ربع الثلث.

ما نُسب للشيخ الطوسي وآخرين:

هذا ما عليه المشهور فيما يرتبط بشهادة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها وفي مقابل ذلك نُسب إلى الشيخ الطوسي في النهاية والقاضي ابن البرَّاج وابن حمزة -كما في الجواهر(6)- القول باشتراط الضميمة في قبول شهادة الزوج كما هو الشأن في قبول شهادة الزوجة.

الوجه فيما نُسب للطوسي وجوابه:

ولعلَّ الوجه في ذلك -كما أفاد صاحب الجواهر- هو استظهار أنَّ معنى قوله (ع) في صحيحة الحلبي: "إِذَا كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا" أنه إذا كان مع الشهادة غيرها، فيكون هذا القيد راجعاً لشهادة كلِّ من الزوج والزوجة، فكلاهما لا تُقبل شهادته للآخر إلا مع ضميمة شهادةٍ أخرى.

وأمَّا موثقة سماعة فيُقال في توجيهها أنَّ قوله: "لا، إلّا أن يكون معها غيرها" جوابٌ للسؤال عن شهادة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها، فكلاهما لا تُقبل شهادته للآخر إلا أنْ يكون معها شهادةٌ أخرى، وأمَّا قوله: "نعم" في صدر الجواب فهو ليس جواباً للسؤال الأول وإنَّما هو خطابٌ يُراد به الحضُّ على إكمال الكلام كما في قولنا: هل سمعتَ بالخبر فيقول المخاطَب نعم ما وراءك، فقوله نعم لا يقصد منه أنَّه سمع بالخبر وإنَّما يقصد من ذلك حثَّ المتكلِّم على المتابعة والإدلاء بالخبر.

وإذا تمَّ هذا الاستظهار للروايتين تكون النتيجة هي أنَّه لا تُقبل شهادة الزوج لزوجته إلا أنْ تنضمَّ إليها شهادةٌ أخرى، فلا يكفي لثبوت الدعوى شهادته مع يمين المدَّعي كما هو الشأن في شهادة الرجل العدل لغير زوجته. فشهادةُ الرجل العدل تثبتُ بها الدعوى إذا انضمَّت إليها يمينُ المدَّعي إلا في شهادة الزوج لزوجته فإنَّها لا تُقبل إلا مع انضمام شهادةٍ أخرى.

هذا لو تمَّ الاستظهار المذكور للروايتين ولكنَّه لا يتم، فإنَّ موثقة سماعة صريحةٌ في التفصيل، ودعوى أنَّ قوله: "لا، إلّا أنْ يكون معها غيرُها" جواب للسؤالين لا تصح، فإنَّ السؤال الأول تعقَّبه جواب الإمام (ع) ثم استأنف السائلُ سؤالاً آخر فكان جوابُ الإمام (ع) جواباً للسؤال المستأنَف.

وأمَّا صحيحة الحلبي فظاهرُ قوله "إِذَا كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا" هو عوْدُ الضمير على المرأة يعني إذا كان مع المرأة غيرها، فهي الاسم الظاهر الأقرب للضمير، على أنَّ موثقة سماعة الصريحة في التفصيل صالحةٌ لأنْ تكون قرينةً على ما هو المستظهَر من صحيحة الحلبي.

وخلاصة القول: إنَّ الصحيح هو ما عليه المشهور من قبول شهادة الزوج لزوجته مطلقاً سواءً انضمَّت إليها شهادةٌ أخرى أو لا فإنْ انضمَّت إليها شهادةٌ أخرى تمَّت بذلك البينة وإنْ لم تنضمَّ إليها شهادةٌ أخرى صحَّ اعتمادُ شهادة الزوج إذا انضمَّت إليها يمينُ المدَّعي.

وأمَّا شهادةُ الزوجة لزوجها فهي مقبولة كذلك في حقِّ زوجها بمعنى صلاحيتها لإثبات الدعوى إذا انضمَّ إليها ما تتمُّ به البينة، شأنُها في ذلك شأنُ شهادة مطلق المرأة، فإنَّها لا تثبت بها الدعوى إلا مع الضميمة التي تتمُّ بها البيِّنة، فلا تثبت الدعوى بشهادة المرأة ويمين المدَّعي خلافاً لما هو الشأنُ في شهادة الرجل.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

28 / جمادى الأولى / 1446ه

1 / ديسمبر / 2024م


1- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج41 / ص79.

2- الكافي -الكليني- ج7 / ص392، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص366.

3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص367. 

4- الكافي -الكليني- ج7 / ص392، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص366.

5- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج41 / ص78.

6- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج41 / ص78.