شهادة ابن الزنا

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

عل تُقبل شهادة ابن الزنا لو اتَّفق كونه عدلاً، وماذا عن اللقيط الذي لا يُحرز كونه ابن زنا هل تُقبل شهادته؟

الجواب:

الدليل على عدم نفوذ شهادة ابن الزنا:

المشهور شهرةً عظيمة -كما أفاد صاحب الجواهر(1)- عدم صحَّة اعتماد شهادة ابن الزنا حتى لو اتَّفق كونه عدلاً، بل نُسب -كما في الجواهر(2)- الإجماع على عدم قبول شهادته لمثل السيد المرتضى في الانتصار والشيخ الطوسي في الخلاف والسيد ابن زهرة في الغنية وابن إدريس الحلِّي في السرائر.

وقد نصَّت على ذلك العديد من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: قال أبو عبداللّه‏ (عليه السلام): "لا تجوز شهادة ولد الزنا"(3).

ومنها: صحيحة عليِّ بن جعفر في كتابه عن أخيه، قال: سألتُه عن ولد الزنا هل تجوز شهادته؟ قال: لا تجوزُ شهادته ولا يؤمّ"(4) يعني أنَّ شهادته غير نافذة، وكذلك فإنَّه لا تصحُّ الصلاة بإمامته.

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام) قال: سألتُه عن شهادة ولد الزنا؟ فقال: لا، ولا عبد"(5) يعني أنَّ كلاً من ابن الزنا والمملوك لا تنفذ شهادته، ولا يضرُّ بحجيَّة الرواية حمل النفي لنفوذ شهادة المملوك على التقية لإمكان التبعيض في الحجيَّة كما ثبت في محلِّه".

ومنها: معتبرة أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنْ شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا تَجُوزُ؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ يَزْعُمُ أَنَّهَا تَجُوزُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَغْفِرْ ذَنْبَه"(6).

ومنها: موثقة عبيد بن زرارة عن أبيه قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لو أنَّ أربعةً شهدوا عندي بالزنا على رجلٍ وفيهم ولد زنا لحددتُهم جميعاً، لأنَّه لا تجوز شهادته، ولا يؤم الناس"(7).

فهذه مجموعة من الروايات تدلُّ بوضوحٍ على عدم نفوذ شهادة ابن الزنا إلا أنَّ في مقابلها رواية أوردها الحميري في قرب الاسناد -كما في الوسائل- عن عبداللّه‏ بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه، قال: سألتُه عن ولد الزنا هل تجوز شهادته؟ قال: نعم، تجوز شهادته ولا يؤم"(8) إلا أنَّ العلامة المجلسي أورد ذات الرواية عن قرب الاسناد وجاء فيها: "لا يجوز شهادته ولا يؤم"(9) وعليه لا يُمكن إحراز ما هو المروي عن الإمام (ع) لتعارض ما هو المنقول عنه في النسختين، وبذلك تسقط الرواية عن الاعتبار، ولو تمَّ البناء على صحَّة ما نقله صاحب الوسائل فإنَّ الرواية ستكون معارضة للروايات المانعة، ولا سبيل للجمع العرفي بينها وبين رواية قرب الاسناد لاستحكام التعارض بينها، ولذلك – بعد قطع النظر عن سند رواية قرب الاسناد- يتعيَّن الرجوع إلى مرجِّحات باب التعارض، وهي تقتضي ترجيح الروايات المانعة من قبول شهادة ابن الزنا، وذلك لموافقة رواية قرب الاسناد لما تقتضيه التقية.

شهادة ابن الزنا في الشيء اليسير:

وبذلك يثبت ما ذهب إليه المشهور من عدم نفوذ شهادة ابن الزنا، نعم نُسب إلى الشيخ الطوسي في النهاية وكذلك نسب إلى ابن حمزة(10) القبول بشهادة ابن الزنا في اليسير من المال، والظاهر أنَّ مستندهما في ذلك ما رواه الشيخ بسنده عن أبان عن عيسى بن عبداللّه‏ قال: سألتُ أبا عبداللّه‏ (عليه السلام) عن شهادة ولد الزنا؟ فقال: لا تجوز إلاّ في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً"(11).

ويظهر من صاحب الجواهر(12) تبعاً للشهيد الثاني (13) البناء على ضعف الرواية لاشتمال سندها على عيسى بن عبد الله المشترك بين الثقة وغيره إلا أنَّ الظاهر -كما أفاد السيد الخوئي(14)- أنَّ عيسى بن عبد الله الوارد في سند الرواية هو القمِّي الأشعري الثقة بقرينة رواية أبان عنه الذي روى عنه في غير مورد، فالرواية معتبرة من حيث السند.

وهي تدلُّ على نفوذ شهادة ابن الزنا في الشيء اليسير فتكون صالحة لتقييد الروايات المانعة مطلقاً من قبول شهادة ابن الزنا، وما أفاده عددٌ من الأعلام من دعوى أنَّ الرواية مجملة لعدم انضباط عنوان الشيء اليسير نظراً لكونه من العناوين الاضافية، فالشيء الواحد يكون يسيراً إذا أُضيف إلى ما هو أكبر منه وهو في ذات الوقت يوصف بالكبير إذا أضيف إلى ما هو دونه وكذلك فإنَّ الشيء يوصف باليسير بالإضافة إلى شخص ويوصف في ذات الوقت بالكثير إذا أضيف إلى آخر ، ويوصف باليسير بالإضافة إلى هذا الزمان أو هذه البلد ويوصف بالكثير بالإضافة إلى زمان أو بلدٍ آخر، فعنوان اليسير غير منضبط، ولهذا لا تكون ثمة فائدة للبناء على قبول شهادة ابن الزنا في الشيء اليسير، وذلك لعدم إحراز ما هو الشيء اليسير الذي يصحُّ في مورده اعتماد شهادة ابن الزنا.

هذه الدعوى لا تتمُّ ظاهراً، فإنَّ الشيء اليسير هو الشيء المرذول والحقير عرفاً، ولا ريب في أنَّ له تقرراً في الخارج، فإنَّ ثمة قدراً متيقناً يتوافقُ العرف على كونه واجداً لوصف اليسير بقطع النظر عن الزمان والمكان والأشخاص، فهذا هو ما تُقبل في مورده شهادة ابن الزنا ، وما يقع الشك في كونه واجداً لوصف اليسير يكون المرجع فيه إطلاق ما دلَّ على عدم نفوذ شهادة ابن الزنا.

شهادة اللقيط والمشكوك في أنه ابن زنا:

وأمَّا اللقيط الذي لم يثبت كونه ابن زنا وكذلك مَن وقع الشك في كونه ابن زنا فإنَّ شهادته تكون نافذة إذا كان عدلاً، وذلك لأنَّ الروايات إنَّما دلَّت على المنع من نفوذ شهادة ابن الزنا، وعنوان ابن الزنا عنوانٌ وجودي، فحين يقع الشك في اتصاف أحدٍ بهذا العنوان فإنَّ مقتضى استصحاب العدم الأزلي هو انتفاء هذا الوصف تعبُّداً عن المشكوك، وبذلك يظلُّ مشمولاً لإطلاق ما دلَّ على نفوذ شهادة العدل.

وبتعبير آخر: إنَّ الإطلاقات دلَّت على نفوذ شهادة مطلق العدل خرج منها ابن الزنا، فكلُّ من لم يصدق عليه هذا العنوان من العدول فهو مشمول للإطلاقات فهي صادقة عليه دون إشكال، والشك في دخوله في المخصِّص منفي بالأصل والذي هو استصحاب العدم الأزلي. فليس المقام من موارد التمسُّك بالعام في الشبهات المصداقيَّة وذلك لإحراز كونه من أفراد العام وانتفاء كونه من أفراد المخصِّص من طريق الأصل.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

11 / جمادى الآخرة / 1446

13 / ديسمبر 2024م


1- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي-  ج41 / ص117.

2- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج41 / ص117.

3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص375.

4- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص377.

5- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص376.

6- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص375.

7- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص376.

8- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص377.

9- بحار الأنوار -المجلسي- ج85 / ص86.

10- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج41 / ص120.

11- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج6 / ص244، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص376.

12- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج41 / ص120.

13- مسالك الأفهام -الشهيد الثاني- ج14 / ص225.

14- مباني تكملة المنهاج -السيد الخوئي- ج41 / ص135، 136.