الشهادة على النسب

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل تصحُّ الشهادة على النسب استناداً إلى الشياع المفيد للاطمئنان دون الوقوف على ذلك حسَّاً؟

الجواب:

المشهور ظاهراً أنَّ النسب يثبت بالشياع المفيد للاطمئنان لدى العقلاء يعني أن يبلغ استفاضة الخبر بالنسب -وذيوعه وشيوعه بين الناس- حدَّا يورث الاطمئنان لدى العقلاء، وهذا هو المعبَّر عنه بالعلم العادي، ومعنى ثبوت النسب بذلك هو ترتيب الآثار الشرعيَّة للنسب استناداً إلى الشياع.

وكذلك يثبت -بنظر المشهور ظاهراً- الوقف والملك والمناكح والطلاق والرضاع وشبهها من الأمور الخارجيَّة بالشياع المفيد للعلم، ومعنى ثبوتها بالشياع هو ترتيب الآثار الشرعيَّة استناداً إلى الشياع المفيد للاطمئنان، فثبوت الوقف -مثلاً- بالشياع معناه لزوم ترتيب أحكام الوقف على ما قام الشياع على وقفيته من حرمة بيعه ولزوم صرفه على الجهة الموقوف عليها وغير ذلك من أحكام الوقف، وهكذا هو معنى ثبوت المناكح بالشياع المفيد للعلم، فإنَّ معناه ترتيب الآثار الشرعيَّة على أنَّ هنداً زوجةُ لزيد استناداً إلى الشياع.

ومدرك البناء على ثبوت مثل الوقف بالشياع هو السيرة العقلائية القطعية الجارية على العمل بالاطمئنان وترتيب الأثر على مقتضاه، وحيث لم يتم الردع عنها لذلك فهي حجَّة في إثبات حجيَّة الاطمئنان المعبَّر عنه بالعلم العادي.

هذا وقد ذهب بعض الأعلام -كما أفاد صاحب الجواهر(1)- إلى عدم ثبوت مثل الوقف والنسب بغير العلم الوجداني إلا أنَّ ذلك لا يتمُّ بعد قيام الدليل على حجيَّة الاطمئنان، فهو كاف في ثبوت الأمور الخارجيَّة، نعم لا يصحُّ ما ذهب إليه البعض من كفاية الظن وذلك لعدم حجيَّة الظن إلا أن يقوم دليلٌ خاصُّ على حجيَّته في مورد من الموارد، وحيث لم يقم دليل على حجيَّته في المقام لذلك فهو مشمول لما دلَّ على عدم حجيَّة مطلق الظن كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾(2).

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه أنَّ مثل الوقف والمناكح تثبت بالاستفاضة والشياع المفيد للاطمئنان، وهذا المقدار لا إشكال فيه -ظاهرا- كما تبيَّن إنَّما الإشكال في جواز الشهادة في مقام الترافع وفصل الخصومة استناداً إلى الشياع فهل يجوز للمطَّلع على الشياع أنْ يشهد مثلاً أنَّ هذه الأرض موقوفة وأنَّ هنداً زوجةٌ لزيد؟

والجواب هو أنَّه يصحُّ له الشهادة على الاستفاضة والشياع بأنْ يشهد -مثلاً- أنَّ الشياع قائمٌ على أنَّ هذه الأرض موقوفة، فإنَّ الشهادة بذلك شهادةٌ مستندة إلى الحسِّ لافتراض وقوفه وجداناً على الشياع والاستفاضة، فمتعلق الشهادة هو الشياع والذي هو مُحرزٌ حسَّاً بحسب الفرض، لذلك تكون هذه الشهادة صحيحة ونافذة ، وأمَّا الشهادة على الوقف استناداً إلى الشياع فلا تصحُّ لأنَّها شهادةٌ عن غير حسٍّ فهو بحسب الفرض لم يشهد إيقاع الوقف وإنَّما علم به من طريق الشياع والاستفاضة ولهذا لا يصحُّ له أنْ يشهد على ذات الوقف لأنَّه لم يقف على إيقاعه حسَّاً، وقد ثبت أنَّه لا تصحُّ الشهادة إلا أنْ تكون عن حسٍّ، نعم يصحُّ له الشهادة على قيام الشياع على الوقف، لأنَّ الشهادة على ذلك مستنِدة إلى الحسِّ، وكذلك يصحُّ له الإخبار بالوقف وأنَّ هذه الأرض موقوفة استناداً إلى الشياع، وذلك لأنَّ الإخبار من الآثار الشرعية المترتبة على ثبوت الوقف والمفترض أنَّ الوقف ثابت بالشياع لذلك يصحُّ الإخبار استناداً إليه، وأما الشهادة على الوقف في مقام الترافع وفصل الخصومة بحيث يكون متعلَّق الشهادة هو ذات الوقف فلا تصحُّ لأنَّها من الشهادة عن غير حسٍّ.

هذا فيما يتَّصل بمختلف الأمور الخارجية كالوقف والمناكح والطلاق فإنَّه لا تصحُّ الشهادة على شيءٍ منها استناداً إلى الشياع وإنَّما تصحُّ الشهادة على قيام الشياع عليها لأنَّه من الشهادة عن حسّ.

الشهادة على النسب استناداً إلى الشياع:

واستثنى المشهور من ذلك الشهادة على النسب فصحَّحوا الشهادة على النسب استناداً إلى الاستفاضة والشياع، ومدركُ ذلك -كما أفاد السيد الخوئي(3)- قيام السيرة المتشرعيَّة على الشهادة على النسب فقد كانت متعارفة ومتحققة كثيراً رغم أنَّه لا طريق للشهادة عادةً بالنسب إلا من جهة الاستناد إلى الشياع والاستفاضة، فالوقوف حسَّاً على صحَّة النسب أمرٌ لا يكاد يتحقق لأكثر الناس إلا من حضر مجلس الولادة ومع ذلك جرت السيرة على قبول الشهادة على النسب وهو ما يكشفُ عن عدم اعتبار الحسِّ في الشهادة على النسب فيكون هذا المورد مستثنى ممَّا دلَّ على اعتبار استناد الشهادة على الحسِّ، وحيث إنَّ الشهادة استناداً إلى الظنِّ غير جائزة ولا نافذة فالمتعيَّن هو استنادها إلى الاستفاضة والشياع المفيد للاطمئنان الذي قامت السيرة القطعيَّة على حجيَّته.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

21 / جمادى الآخرة / 1446ه

23 / ديسمبر / 2024م

 


1- جواهر الكلام -الشيخ حسن الجواهري- ج41 / ص135.

2- سورة يونس / 36.

3- القضاء والشهادات ج1 / ص319.