الإشهاد على الطلاق والنكاح
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
هل الإشهاد على الطلاق والنكاح شرط في صحتهما؟
الجواب:
دليل اشتراط الإشهاد في صحة الطلاق:
أمَّا الطلاق فيُعتبر في صحَّته الإشهاد عليه عند الإماميَّة بلا خلافٍ بينهم(1) خلافاً لما عليه العامَّة، وقد نصَّ القرآن المجيد على ذلك في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾(2) فإنَّ الظاهر من الأمر بالإشهاد هو الإرشاد إلى شرطيَّة ذلك في صحَّة الطلاق.
هذا مضافاً إلى ما نصَّت عليه الروايات المستفيضة الواردة عن أهل البيت (ع):
منها: صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألتُ أبا الحسن (عليه السلام) عن رجلٍ طلَّق امرأتَه بعد ما غشيها بشهادة عدلين قال: ليس هذا طلاقا، قلتُ: فكيف طلاق السنَّة؟ فقال: يُطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أنْ يغشيها بشاهدين عدلين كما قال اللهُ عزَّ وجل في كتابه فإنْ خالف ذلك ردَّ إلى كتاب الله .."(3) قوله: كما قال اللهُ عزَّ وجل في كتابه إشارة إلى الآية من سورة الطلاق.
ومنها: صحيحة زُرَارَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وبُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ وبُرَيْدٍ وفُضَيْلٍ وإِسْمَاعِيلَ الأَزْرَقِ ومَعْمَرِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّهُمَا قَالا: "إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ فِي دَمِ النِّفَاسِ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا يَمَسُّهَا فَلَيْسَ طَلَاقُه إِيَّاهَا بِطَلَاقٍ، وإِنْ طَلَّقَهَا فِي اسْتِقْبَالِ عِدَّتِهَا طَاهِراً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ ولَمْ يُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَلَيْسَ طَلَاقُه إِيَّاهَا بِطَلَاقٍ"(4).
ومنها: صحيحة زُرَارَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(ع) قَالَ: "إِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وإِنَّ الرَّجْعَةَ بِغَيْرِ شُهُودٍ رَجْعَةٌ ولَكِنْ لَيُشْهِدُ بَعْدُ فَهُوَ أَفْضَلُ"(5).
ومنها: صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "طَلَاقُ السُّنَّةِ يُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً يَعْنِي عَلَى طُهْرٍ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ .."(6).
اشتراط الإشهاد في صحَّة الظهار:
وكذلك يُعتبر الإشهاد في صحَّة الظهار كما دلَّت على ذلك صحيحة حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديثٍ قال: "لا يكونُ ظهار إلا على طُهرٍ بغير جماعٍ بشهادة شاهدينِ مسلِمَين"(7) وكذلك صحيحة حُمْرَانُ الأحرى قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ (ع): "ولَا يَكُونُ ظِهَارٌ فِي يَمِينٍ، ولَا فِي إِضْرَارٍ، ولَا فِي غَضَبٍ، ولَا يَكُونُ ظِهَارٌ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ بِغَيْرِ جِمَاعٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ"(8).
عدم اعتبار الإشهاد في صحة النكاح:
وأمَّا الإشهاد على النكاح فالمشهور هو عدم اعتباره في صحَّته، خلافاً لما عليه المشهور بين العامَّة حيث تبانوا على اشتراط الإشهاد في صحَّة النكاح، نعم نُسب -كما في الحدائق(9)- لجمعٍ منهم القول بعدم اشتراط الإشهاد في الصحَّة ولكنَّه مستحبٌ وفاقاً لما عليه المشهور بين الإماميَّة.
ويُستدلُّ لما عليه مشهور الإماميَّة من عدم اشتراط الإشهاد في صحَّة عقد النكاح برواياتٍ مستفيضة عن أهل البيت (ع):
منها: صحيحة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّه ع عَنِ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِتَزْوِيجِ الْبَتَّةِ فِيمَا بَيْنَه وبَيْنَ اللَّه، إِنَّمَا جُعِلَ الشُّهُودُ فِي تَزْوِيجِ الْبَتَّةِ مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِه بَأْسٌ"(10) والمراد من تزويج البتَّة هو الدائم فالبتَّة وصف لكلِّ أمر لا رجعة فيه.
ومنها: صحيحة حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ"(11).
ومنها: رواية مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى (ع) لأَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي: "إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى أَمَرَ فِي كِتَابِه بِالطَّلَاقِ وأَكَّدَ فِيه بِشَاهِدَيْنِ ولَمْ يَرْضَ بِهِمَا إِلَّا عَدْلَيْنِ، وأَمَرَ فِي كِتَابِه بِالتَّزْوِيجِ فَأَهْمَلَه بِلَا شُهُودٍ فَأَثْبَتُّمْ شَاهِدَيْنِ فِيمَا أَهْمَلَ وأَبْطَلْتُمُ الشَّاهِدِينَ فِيمَا أَكَّدَ"(12).
ومنها: موثقة داود بن الحصين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين، فأجازوا الطلاق بلا شاهدٍ واحد، والنكاح لم يجئ عن الله في تحريمه -عزيمة- فسنَّ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك الشاهدين تأديباً ونظراً لئلا يُنكر الولد والميراث .."(13) وهذه الرواية تصلح للدلالة على استحباب الإشهاد وأنَّه من السنَّة.
هذا وقد نُسب إلى ابن أبي عقيل -كما في الحدائق(14)- القول باشتراط الإشهاد في صحَّة عقد النكاح خلافاً لما عليه مشهور الإماميَّة.
واستُدلَّ له على ذلك برواية المهلَّب الدلال أنَّه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام): أنَّ امرأة كانت معي في الدار، ثم إنَّها زوجتني نفسها، وأشهدت الله وملائكته على ذلك، ثم إنَّ أباها زوَّجها من رجلٍ آخر، فما تقول؟ فكتب (عليه السلام): التزويج الدائم لا يكون إلا بوليٍّ وشاهدين .."(15).
هذه الرواية وإن كانت ظاهرة في اشتراط الإشهاد في صحَّة عقد النكاح إلا أنَّه نظراً لضعف سندها -بالمهلَّب- لا تصلحُ للاستدلال بها على الدعوى، ومع قطع النظر عن ذلك فإنَّه يتعيَّن حملُها على التقية -كما أفاد الشيخ في الاستبصار(16)- وذلك لأنَّه مع البناء على استحكام التعارض بينها وبين الروايات السابقة يكون المرجع هو مرجِّحات باب التعارض والتي تقتضي في المقام حمل رواية المهلَّب على التقية لموافقتها لفتوى جمهور العامَّة.
وأمَّا معتبرة المعلَّى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام): ".. قال: قلتُ: جعلت فداك، كان المسلمون على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتزوَّجون بغير بيِّنة؟ قال: لا"(17). فهي لا تدلُّ على أنَّ الإشهاد شرطٌ في صحَّة عقد النكاح، لأنَّ التزام المسلمين في عهد الرسول (ص) بالإشهاد قد يكون منشأه أنَّ ذلك من السنَّة كما دلَّت على ذلك رواياتٌ أخرى، فلا ملازمة بين التزامهم بالإشهاد وبين كونه شرطاً في الصحَّة.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
10 / رجب المعظم / 1446ه
11 / يناير / 2025م
1- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص245، جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص109.
2- سورة الطلاق / 2.
3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص26.
4- الكافي -الكليني- ج6 / ص60، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص21.
5- الكافي -الكليني- ج6 / ص73، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص135.
6- الكافي -الكليني- ج6 / ص64، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص104.
7- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص308.
8- الكافي -الكليني- ج6 / ص153، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص307.
9- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج23 / ص33.
10- الكافي -الكليني- ج5 / ص387، وسائل الشيعة -الحر العاملي-ج20 / ص98.
11- الكافي -الكليني- ج5 / ص387، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج20 / ص98.
12- الكافي -الكليني- ج5 / ص387، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج20 / ص98.
13- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص360.
14- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج23 / ص33.
15- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج21 / ص34.
16- الاستبصار -الشيخ الطوسي- ج3 / ص146.
17- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج21 / ص65.