تبرُّع الصائم بالدم أو إعطاؤه للفحص 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يجوز للصائم التبرُّع بالدم أو إعطاء الدم للفحص؟

الجواب:

الظاهر أنَّه لم يقع خلافٌ في جواز إخراج الصائم للدم في نهار شهر رمضان إلا أنَّه مكروه مع استلزامه للوقوع في الضعف، وقد نصَّت على الجواز العديدُ من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):

منها: صحيحة سعيد الأعرج قال: "سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم يحتجم؟ فقال: لا بأس إلا أنْ يتخوَّف على نفسِه الضعف"(1).

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "لا بأس بأنْ يحتجم الصائم إلا في رمضان فإنِّي أكرهُ أنْ يُغرِّر بنفسه إلا أنْ لا يخاف على نفسه، وإنَّا إذا أردنا الحجامة في شهر رمضان احتجمنا ليلا"(2).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "سألتُه عن الصائم أيحتجم؟ فقال: إنِّي أتخوَّفُ عليه .. قلتُ: أرأيت إنْ قويَ على ذلك ولم يخش شيئاً؟ قال: نعم إنْ شاء"(3).

أقول: موضوع الروايات وإنْ كان هو الحجامة إلا أنَّ المستظهر منها عرفاً هو أنَّ موضوع النهي هو إخراج الدم وأنَّه لا خصوصيَّة للحجامة، وذلك بقرينة تصدي الروايات لبيان منشأ النهي وهو الخشية من الوقوع في الضعف، وهذا المنشأ مطرد في مطلق إخراج الدم بالكميَّة المقتضية عادةً للخشية من الوقوع في الضعف، ولذلك لا يكون مطلق الإخراج للدم مشمولاً للنهي، فالمنهيُّ عنه بحسب ظاهر الروايات هو الإخراج للكميَّة المقتضية عادةً للخشية من الوقوع في الضعف.

ثم إنَّ مقتضى ظاهر الروايات أنَّه مع الخشية من الوقوع في الضعف يكون الإخراج للدم أثناء صوم شهر رمضان محظوراً، فإنَّ ذلك هو المستظهَر ممَّا أفادته أنَّ في إخراج الدم -في هذا الفرض- بأساً، إلا أنَّه ونظراً لقيام الاجماع بل التسالم على عدم الحرمة فإنَّ ذلك يكون قرينةً على أنَّ المراد من البأس -في فرض الخشية من الضعف- هو الكراهة. ولعلَّ ممَّا يؤيد إرادة الكراهة من البأس الوارد في الروايات في فرض الخشية من الضعف ما ورد في موثَّقة عمار الساباطي قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الحجام يحجم وهو صائم؟ قال: لا ينبغي، وعن الصائم يحتجم؟ قال: لا بأس"(4).

وما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لا بأس أنْ يحتجم الصائم في شهر رمضان"(5).

فإنَّ نفي البأس عن الحجامة للصائم وإنْ كان مطلقاً قابلاً للتقييد بعدم الخشية من الضعف إلا أنَّ ترك التفصيل والاستفصال مشعِرٌ قوياً بجواز الحجامة مطلقاً أي في فرض الخشية من الضعف وفي فرض عدم الخشية.

نعم ثمة فرضٌ يحرم معه إخراج الدم وهو ما إذا أحرز أنَّ إخراج الدم سوف يضطره إلى تناول المفطر أو إلى الإغماء فإنَّه في مثل هذا الفرض يكون الإخراج للدم من تعمُّد الإبطال للصوم المتنجز الوجوب أو يكون من تعمُّد التناول للمفطر.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

1 / شهر رمضان / 1446ه

2 / مارس / 2025م

 


1- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج10 / ص80.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج10 / ص80.

3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج10 / ص78.

4- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج10 / ص81.

5- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج10 / ص87.