معنى: "ضَلَع الدَّين وبوارِ الأيِّم"

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

في الدعاء المأثور عن الرسول الكريم (ص): "اللَّهمّ إنّي أعوذُ بك من الهمِّ والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن، وضَلَعِ الدّين، وغلبةِ الرّجال، وبوار الأيّم .." ما معنى الفقرات الثلاث الأخيرة أعني: "وضَلَع الدّين وغلبة الرّجال وبوار الأيّم"(1).

الجواب:

المراد من ضَلَع الدَّين:

المراد من ضَلَع الدَّين -بفتح الضاد واللام- هو ثقل الدين وشدَّته حين لا يجد مَن عليه الدين ما يفي به دينَه يُقال: أمرٌ مضلع أي مثقِل وشديد، ومنه ما ورد عن أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة: "وارْدُدْ إِلَى اللَّه ورَسُولِه مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ، ويَشْتَبِه عَلَيْكَ مِنَ الأُمُورِ"(2) أي ما يُثقلك من الخطوب، ومنه الحديث المأثور عن الرسول الكريم (ص):" "الحِمْلُ المُضْلِعُ والشَّرُّ الذي لا ينقطع إِظهارُ البدع"(3) فالحمل المضلع هو المثقِل، فلشدَّة ثقله على الكاهل كأنَّ حامله يتكأ على أضلاعه أي أنَّ الألم الناشئ عن ثقل ما يحملُه يصل إلى أضلاعه فيُوهنها.

وأصل الضلَع -كما قيل- هو الاعوجاج والميل، يقال ضلع يضلع بمعنى مال وجنف، والضالع هو المائل ويطلق على الجائر لميله عن الحق.

وبذلك تتَّضح المناسبة اللغويَّة للتعبير بضلَع الدين، فإذا حمل أحدُهم حملاً ثقيلاً فإنَّ ثقله يميلُ به فيُخرجه عن حدِّ الاستواء والاعتدال في المشي، كذلك هو الدين إذا ثقل ولم يجد صاحبُه ما يفي به دينه فإنَّ هذا الدَّين يُخرجه عن سمته ووقاره، فقد يضطره إلى التواري عن الأنظار أو الظهور أمام الدائن في مظهر المستكين الخاضع أو اللجوء إلى السؤال المستلزِم -بطبعه- للتخضُّع والانكسار أمام المسؤول، فوصفُ الدين بالمُضلع فيه تشبيه له بالحمل الثقيل الموهِن لقوى البدن، فالحمل الثقيل يميل بحامله ويخرجه عن حد الاستقامة والاعتدال في المشي، والدين الثقيل يُخرج صاحبه عن حدِّ الاستقرار والوقار.

الاستعاذة من غلبة الرجال:

وأمَّا المراد من الاستعاذة من غلبَة الرجال فالظاهر هو الاستعاذة من أنْ يغلبه الرجال على أمره فيقهرونه على فعلِ ما يريدون عن غير رغبةٍ منه واختيار، وعليه تكون إضافة الغلَبة للرجال من باب الإضافة إلى الفاعل، فيكون معنى: أعوذُ بالله من غلبة الرجال هو أنِّي أعوذُ بالله مِن أنْ يغلبني الرجال وأنْ يستضعفني الرجال ويتسلَّطوا عليَّ، فلا يكون لي خيارُ في مقابل أمرهم وخيارهم.

والمراد من الرجال هم الظلَمة من ذوي السلطان والنفوذ، وكذلك المراد منهم رعاع الناس وسفهاءُهم، فقد يضطر العقلاء لمجاراتهم خشية حماقاتهم، فيغلبون العقلاء على رأيهم وخياراتهم. وقد يتسلَّط السفهاء والحمقى بالقهر والغلبة فلا يكون لأحدٍ أمرٌ ولا نهي في مقابل أمرهم ونهيهم، فالاستعاذة من غلبة الرجال استعاذة مِن مثل هذه الأحوال.

واحتمل بعضُهم أنَّ المراد من غلبة الرجال هو مغلوبيَّة الرجال من قِبَل النساء فتكون إضافة الغلبة للرجال من باب الإضافة للمفعول، فمعنى الاستعاذة من غلبة الرجال هو الاستعاذة من أن تغلب النساءُ الرجالَ فلا يكون للرجال أمرٌ في مقابل رغبات النساء، فيكون مساقُ الاستعاذة من غلبة الرجال هو الاستعاذة من خضوع الرجال لشهواتهم ونزواتهم.

الاستعاذة من بوار الأيِّم:

وأمَّا المراد من الاستعاذة من بَوار الأيِّم فهو الاستعاذة من كسادها، والمراد من الأيِّم هي المرأة التي لا زوج لها سواءً كانت بكراً أو ثيِّباً، وسواء تزوَّجت قبلُ ثم طُلِّقت أو مات عنها زوجُها أو لم تكن قد تزوَّجت قبلُ، فالأيِّم هي التي لا زوج لها وتُجمع على أيامي، وكذلك يطلق الأيِّم على الرجل غير المتزوِّج.

والبَوار هو الهلاك من بارَ بَوْراً وبَواراً وأَبارهم الله أي أهلكهم ومنه قوله تعالى: ﴿وكنتم قَوْماً بُوراً﴾(4) أي هلكي، والبائر هو الهالك، وكذلك يُقال للكاسد أنَّه بائر، ويقال للفاسد من الطعام والمتاع أنَّه بائر وكاسد، مِن بار المتاع إذا كسد فلم يُنتفع منه بشيء، ويُقال للأرض الخراب التي لا تصلح للزرع أنّها أرضٌ بَوار، ويقال للسوق إذا كسدت فتخلَّى عنها أهلها أو لم تُنتج كسباً إنَّها قد بارت فهي بائرةٌ وكاسدة، وكذلك يُقال للعمل الذي لا نفع له ولا عائد أو كان مُنتجاً لنقيض الغرض إنَّه عمل بائر ومنه قولهم بار عمله أي بطل أثره، وهو معنى قوله تعالى: ﴿ومَكْرُ أُولئك هُو يَبُورُ﴾(5) أي يبطل فلا يُنتج الأثر المرجو.

ومن ذلك يتَّضح المراد من بوار الأيِّم فهو يعني بقاؤها دون زوجٍ إلى أنْ يفوتَ الوقت الذي ترغبُ فيه المرأة في الزواج وتكون قادرةً فيه على الانجاب، فتُصبح حينذاك كاسدة لانتفاء النفع المنتظَر منها، أو انتفاء الرغبة في الزواج منها لتقدمها في السن أو ابتلائها ما يمنع من الرغبة في الزواج منها.

فاستعاذة الرجل من بَوار الأيِّم هو استعاذتُه مِن أنْ تظلَّ بناتُه أو أخواتُه في عهدتِه دون أنْ يتقدَّم لهنَّ خاطب إلى أنْ يفوتَ الوقتُ المناسب لتزويجهن، وكذلك فإنَّ معنى الاستعاذة من بَوار الأيِّم هو الاستعاذة من أنْ يظلَّ الرجلُ دون زوجةٍ إلى أنْ يفوتَ الوقتُ المناسب لزواجه أو يبتلى بما يمنع من الرغبة في قبول الزواج منه.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيح محمد صنقور

5 / شهر رمضان / 1446ه

6 / مارس / 2025م

 


1- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1 / ص335.

2- نهج البلاغة -خطب الإمام علي (ع)- ص434.

3- النهاية في غريب الأثر -ابن الأثير- ج3 / ص97.

4- سورة الفتح / 12.

5- سورة فاطر / 10.