﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً﴾ وعاصفة كيف؟
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
ما معنى قوله تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾(1) وكيف وصف الريح في هذه الآية بالرخوة يعني اللينة الهادئة في حين وصف الريح بالعاصفة في الآية من سورة الأنبياء قال تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ﴾(2).
الجواب:
الآية -أعني قوله تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾- مسوقة لبيان استجابة الله تعالى لدعاء سليمان بأن يهبه ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده فهو (ع) بعد أنْ سأل الله تعالى فقال: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾(3) استجاب الله دعاءه فسخَّر له الريح، فقوله تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ ..﴾ متفرِّعٌ على دعائه بالملك الذي لا ينبغي لأحدٍ من بعده. وتسخير الريح لإرادة سليمان (ع) مصداق الملك الذي آتاه الله إيَّاه واختصَّه به دون سائر مَن آتاهم الله تعالى الملك. فهي تجري وفق أمره وإرادته واختياره.
ومعنى وصفها بالرُخاء هو وصفها بالطيِّعة له -كما استظهر ذلك العلامة الطبأطبائي(4)- فهي طيِّعةٌ له حيث أصاب أي حيث شاء أو حيث قصد، وعليه فلا تنافي بين هذه الآية وبين قوله تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ﴾ فالآية الأولى تصف الريح بالطيِّعة وهذا لا ينافي كونها عاصفة أي شديدة فهي طيِّعة وفي ذات الوقت شديدة.
فالرخاوة تُطلق ويراد منها السهولة، ولذلك توصف بها الناقة وكذلك الفرس التي تكون سهلة الانقياد في مقابل الناقة الصعبة والفرس الجموح، فيُقال للناقة التي تكون سهلة الانقياد إنَّها ذلول لا يحتاج قائدُها أنْ يشدَّ على زمامها فهو مرخٍ دائماً لزمامها لكونها سهلة الانقياد، لذلك ناسب وصف المنقاد بالرُخاء أي السهل الطيِّع. ومن الواضح أنَّ وصف الناقة بالسهلة والطيِّعة لا ينافي وصفها بالسريعة، كذلك الريح فإنَّ وصفها بالرُخاء السهلة الطيِّعة لا ينافي وصفها بالعاصف أي السريعة الهبوب.
هذا ولو سلَّمنا أنَّ وصف حال الريح المسخَّرة لسليمان (ع) بالرُخاء أنَّه بمعنى اللُّيونة المستلزمة للهدوء والمنافية لشدَّة الهبوب فإنَّ الآية رغم ذلك لا تُنافي قوله تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ﴾ وذلك لإمكان الجمع بين الآيتين بالقول إنَّ الله تعالى سخَّر لسليمان (ع) الريح اللِّينة كما سخَّر له الريح العاصفة بمعنى أنَّه جعل الريح طَوع اختياره وإرادته، فإذا أرادها رخوةً كانت كذلك وإذا أرادها عاصفةً صارت كذلك.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
6 / شهر رمضان / 1446ه
7 / مارس / 2025م
1- سورة ص / 36.
2- سورة الأنبياء / 81.
3- سورة ص / 35.
4- الميزان في تفسير القرآن -العلامة الطبأطبائي- ج17 / ص205.