الشهادة بالطلاق خطأ أو زوراً

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

إذا شهد شاهدان بطلاق رجلٍ لزوجته فحكم الحاكم بطلاقها استناداً لشهادتهما فتزوجت بعد العدَّة استناداً لحكم الحاكم ثم إنَّ الشاهدين أو أحدهما رجع عن شهادته وادَّعى الخطأ أو أقرَّ بأنَّ شهادته كانت شهادة زور فما الذي يترتب على ذلك؟

الجواب:

لهذه المسألة فروض عديدة:

 

الفرض الأول: إذا شهد شاهدان زوراً بطلاق امرأةٍ فاعتدَّت وتزوَّجت بعد العدَّة استناداً لشهادتهما، وبعد ذلك جاء الزوج فأنكر الطلاق وتبيَّن أنَّ شهادة الشاهدين كانت شهادة زور، ففي مثل هذا الفرض يُفرَّق بين المرأة وبين من تزوَّجته ويتعيَّن على المرأة أنْ تعتدَّ منه إذا كان قد دخل بها وذلك لأنَّ وطأه كان محترماً لكونه وطأ شبهةٍ، وبعد انقضاء العدَّة ترجع إلى زوجِها الأول، وأمَّا الشاهدان فيضمنان الصداق للزوج الثاني ويُضربان الحد كما نصَّت على كلِّ ذلك صحيحة إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى امْرَأَةٍ بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا فَأَنْكَرَ الطَّلَاقَ؟ قَالَ: يُضْرَبَانِ الْحَدَّ ويُضَمَّنَانِ الصَّدَاقَ لِلزَّوْجِ، ثُمَّ تَعْتَدُّ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا الأَوَّلِ"(1)

 فالرواية وإن لم تُصرِّح بأنَّ شهادة الشاهدين كانت شهادة زور إلا أنَّه بقرينة الحكم باستحقاقهما للحدِّ يثبت أنَّ شهادتهما كانت زوراً لوضوح عدم استحقاق المشتبِه والمخطئ للحدِّ . فالحكم باستحقاق الشاهدين للحدِّ يكشف عن أنَّ مفروض المسألة هو شهادة الزور .

الفرض الثاني: إذا شهد شاهدان زوراً بموت الزوج فاعتدَّت المرأة وتزوَّجت بعد العدَّة ثم جاء الزوج وتبيَّن أنَّ شهادة الشاهدين كانت شهادة زور فالحكم هو التفريق بين المرأة وبين من تزوَّجته، وترجع إلى زوجها الأول بعد أنْ تعتدَّ من وطأ الثاني، وأمَّا الشاهدان فيضمان الصداق للزوج الثاني ويُضربان الحدَّ كما نصَّت على ذلك صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): في ‏امرأة شهد عندها شاهدان بأنّ زوجها مات، فتزوّجت، ثمّ جاء زوجها الأوّل؟ قال(عليه السلام): لها المهر بما استحلَّ من فرجها الأخير، ويُضرب الشاهدان الحدّ، ويضمنان المهر لها بما غرّا الرجل، ثمّ تعتدّ وترجع إلى زوجها الأوّل"(2)

وهذه الرواية وإنْ لم تصرِّح بأنَّ شهادة الشاهدين كانت زوراً لكنَّه بقرينة الحكم باستحقاقهما للحدِّ يثبت أنَّ مفروض المسألة هو شهادة الزور، إذ لا يثبت الحدُّ على المخطئ. على أنَّ قول الإمام (ع) : " ويضمنان المهر لها بما غرّا الرجل" لا يخلو من ظهور في أنَّهما تعمَّدا التغرير بالزوج الثاني.

الفرض الثالث: إذا شهد شاهدان على رجلٍ أنَّه طلَّق امرأته فاعتدَّت المرأة وتزوَّجت بعد العدَّة من آخر استناداً لشهادتهما وبعده جاء الزوج الأول فأنكر الطلاق، فرجع أحدُ الشاهدين عن شهادته وادَّعى أنَّه أخطأ فيما شهد به، ففي مثل هذا الفرض يتعيَّن التفريق بين المرأة وزوجها الثاني، وتعتدُّ منه إذا كان قد دخل بها وبعد العدَّة ترجع إلى زوجها الأول ويكون على الشاهد الذي رجع في شهادته ضمان الصداق للزوج الثاني إنْ كان قد أعطاه للمرأة وإلا وجب عليه ضمان الصداق للمرأة بما أستُحلَّ من فرجها .

وقد نصَّت على ذلك صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنّه طلّقها، فاعتدّت المرأة وتزوّجت، ثمّ إنّ الزوج الغائب قدم فزعم أنّه لم يطلّقها، وأكذب نفسه أحد الشاهدين فقال: لا سبيل للأخير عليها، ويُؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع، فيردّ على الأخير ويفرّق بينهما، وتعتدّ من الأخير، ولا يقربها الأوّل حتى تنقضي عدّتها"(3)

فقوله (ع): "لا سبيل للأخير عليها" يعني أنَّ زواجها من الثاني باطل، وأما الصداق الذي دفعه لها فيضمنه الذي شهد ثم رجع في شهادته، وأمَّا قوله(ع):" ولا يقربها الأوّل حتى تنقضي عدّتها" فلأنَّ وطأ الثاني كان محترماً فيستحقُّ على المرأة أن تعتدَّ منه، وبعد أن تنقضي عدَّتُها منه ترجع للأول فيكون أملك بها.

ثم إنَّ ظاهر قوله (ع): "ويُؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع" أنَّ ضمان الصداق بتمامه يكون على الشاهد الذي رجع في شهادته، فهو مكلَّف بحسب ظاهر الرواية بضمان تمام الصداق رغم أنَّ وقوع الزواج من الثاني لم يستند إلى شهادته وحده، ولا محذور من البناء على ذلك بعد ظهور الرواية في تعيُّن الضمان لتمام الصداق .

نعم إنَّما يلزمه – كما أفاد السيد الخوئي(4)- ضمان مهر المثل وليس المهر المسمَّى، لأنَّ الفرض هو فساد العقد وإنَّما استحقَّت المرأة المهر على الرجل بسبب وطأ الشبهة، ومن المعلوم أنَّ المرأة تستحقُّ بوطء الشبهة مهر المثل، وحيث إنَّ على الشاهد ضمان ما أتلفه على الواطئ ( الزوج الثاني) لذلك لا يجب عليه سوى مهر المثل، لأنَّ ذلك هو المقدار الذي استحقَّته المرأة على الواطئ . ولهذا يتعيَّن استظهار إرادة مهر المثل من قوله (ع) "ويُؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع".

الفرض الرابع: إذا ادَّعت الزوجة أنَّ زوجها قد طلَّقها وكان الزوج منكراً لدعواها فشهد شاهدان بطلاقها فحكَمَ الحكم بالطلاق استناداً لشهادة الشاهدين وبعد الحكم رجعا عن شهادتهما واعتذرا عن ذلك بالاشتباه والخطأ فتارةً يُفترض أنَّ الزوج كان قد دخل بزوجته، وتارةً يُفترض أنَّ الحكم بالطلاق استناداً إلى شهادتهما وقع قبل دخول الزوج.

أمَّا في الفرض الأول فليس على الشاهدين ضمان شيءٍ للزوج، وذلك لأنَّ الفرض هو دخول الزوج بزوجته، فالمهر الذي استحقَّته المرأة عليه ثابت عليه بقطع النظر عن شهادة الشاهدين، فالشهادة إذن لم تكن سبباً في ثبوت المهر على عهدة الزوج، لأنَّ المهر إنَّما ثبت بتمامه عليه بالدخول، ولهذا فالشاهدان لم يفوِّتا على الزوج شيئاً ليضمناه.

نعم شهادة الشاهدين بالطلاق قد فوَّتت على الزوج منفعة الاستمتاع بالزوجة إلا أنَّ هذه المنفعة غير مضمونة بلا خلافٍ معتدٍّ به -كما أفاد صاحب الجواهر(5) -تماماً كما هي منفعة الحر، ولهذا لو حُبست الزوجة عدواناً فإنَّه ليس للزوج المطالبة بضمان منفعة الاستمتاع الذي فوَّتها الحابس عليه.  

وأما الفرض الآخر وهو ما لو كان الحكم بالطلاق استناداً إلى شهادة الشاهدين وقع قبل الدخول بالزوجة فالمشهور ذهبوا إلى أنَّ على الشاهدين بعد التراجع ضمان نصف المهر المسمَّى للزوج، وذلك لأنَّ الشاهدين بالطلاق قد أتلفا على الزوج نصف المهر المسمَّى الذي دفعه للزوجة، وفي مقابل ذلك نُسب إلى بعض الأعلام الاستشكال  في ضمانهما لنصف المهر المسمَّى، وذلك لأنَّ نصف المهر يثبت على عهدة الزوج بمجرَّد انشاء عقد النكاح سواءً طلَّق بعد ذلك أو لم يطلق، فشهادة الشاهدين بالطلاق لم تكن سبباً في تفويت نصف المهر على الزوج ليضمناه وهذا هو الصحيح كما أفاد السيد الخوئي رحمه الله تعالى(6)

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

3 من ذي القعدة 1446م

1 مايو 2025 م  

----------------------

1- الكافي- الكليني- ج 7/ 384، وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج 20/ 448. ج27/ 330.

2-وسائل الشيعة – الحر العاملي-ج 27/ 330.

3- وسائل الشيعة – الحر العاملي-ج 27/ 331.

4-المعتمد في القضاء والشهادات والحدود- السيد الخوئي- ص 423.

5- جواهر الكلام - الشيخ حسن النجفي- ج41/ 231.

6-مباني تكملة المنهاج – السيد الخوئي- ج41/ 192.