دعوى المرأة الإكراه على الزنا
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
هل تُقبل دعوى المرأة أنَّها أُكرهت على الزنا دون بيِّنة ودون يمين ؟
الجواب:
المشهور بين الفقهاء - كما هو المستظهَر من كلمات صاحب الجواهر – أنَّ المرأة مصدَّقة في دعواها الاستكراه على الزنا وإنْ لم تكن لها بيِّنة وأفاد رحمه الله أنَّه لم يجد خلافاً في ذلك ونقل الإجماع عن بعضِهم على ذلك(1).
وعمدةُ ما يُستدلُّ به على ذلك صحيحةُ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ (ع) بِامْرَأَةٍ مَعَ رَجُلٍ قَدْ فَجَرَ بِهَا فَقَالَتِ: اسْتَكْرَهَنِي واللَّه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ، ولَوْ سُئِلَ هَؤُلَاءِ عَنْ ذَلِكَ لَقَالُوا لَا تُصَدَّقُ وقَدْ فَعَلَه أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع)"(2)
فإنَّ الواضح من الرواية أنَّ الإمام أمير المؤمنين (ع) قد درء عنها الحدَّ لمجرد دعواها الاستكراه وأفاد الإمام أبو جعفر (ع) في ذيل الرواية ما يظهر منه أنَّ المرأة مصدَّقة فيما تدَّعيه من الاستكراه ولا تُكلَّف بالبيِّنة.
وكذلك يُمكن الاستدلال على أنَّ المرأة مصدَّقة في دعواها الإكراه على الزنا بصحيحة مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فِي امْرَأَةٍ مَجْنُونَةٍ زَنَتْ فَحَبِلَتْ قَالَ: هِيَ مِثْلُ السَّائِبَةِ لَا تَمْلِكُ أَمْرَهَا ولَيْسَ عَلَيْهَا رَجْمٌ ولَا جَلْدٌ ولَا نَفْيٌ، وقَالَ: فِي امْرَأَةٍ أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا أَنَّه اسْتَكْرَهَهَا رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهَا قَالَ: هِيَ مِثْلُ السَّائِبَةِ لَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا، فَلَوْ شَاءَ قَتَلَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا جَلْدٌ ولَا نَفْيٌ ولَا رَجْمٌ "(3)
فإنَّ ظاهر الرواية هو كفاية دعواها الاستكراه في نفي الحدِّ عنها، فإنَّ الإمام(ع) أطلق الحكم بنفي الحدِّ دون استفصال ودون أنْ يُقيد نفي الحد بمثل التثبُّت من الصدق أو المطالبة باليمين.
وكذلك يُمكن تأييد قبول دعوى المرأة الإكراه ودرء الحد عنها دون بيِّنة بمعتبرة موسى بن بكر قال: سمعتُه وهو يقول: ليس على المُستكرَهة حدٌّ إذا قالت: إنَّما استُكرهت"(4)
فإنَّ ظاهر الرواية هو أنَّ المرأة إذا قالت: إنَّما استُكرهت كان ذلك وحده كافياً في درء الحدِّ عنها فلا تكلَّف بمقتضى الإطلاق بالبيِّنة على الإكراه، نعم الرواية لا تصلح لأكثر من التأييد نظراً لكونها مضمرة حيث لم يُسنِد موسى بن بكر ما رواه إلى الإمام (ع).
وثمة روايات أخرى صالحة للتأييد:
منها: رواية محمد بن محمد المفيد في (الارشاد) قال: روى العامَّة والخاصَّة أنَّ امرأةً شهد عليها الشهود، أنَّهم وجدوها في بعض مياه العرب مع رجل يطؤها وليس ببعل لها، فأمر عمر برجمها، وكانت ذات بعل، فقالت: اللهمَّ إنك تعلم أنِّى بريئة، فغضب عمر، وقال : وتجرح الشهود أيضا؟! فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام): ردُّوها واسألوها، فلعلَّ لها عذرا، فرُدَّتْ وسُئلتْ عن حالِها فقالت: كان لأهلي إبل فخرجتُ مع إبل أهلي وحملتُ معي ماءً، ولم يكن في إبلي لبن، وخرج معي خليطُنا وكان في إبل، فنفد مائي فاستسقيتُه فأبى أنْ يسقيَني حتى أمكِّنه من نفسي فأبيتُ، فلمَّا كادت نفسي أنْ تخرج أمكنتُه من نفسي كرهاً، فقال أميرُ المؤمنين (عليه السلام): الله أكبر: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}(5) فلمَّا سمع عمر ذلك خلَّى سبيلها" (6)
ومنها: ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب بإسنادهما عن محمد ابن عمرو بن سعيد عن بعض أصحابنا قال: "أتت امرأةٌ إلى عمر فقالت : أمير المؤمنين إنِّي فجرتُ فأقِم فيَّ حدَّ الله، فأمر برجمِها، وكان عليٌّ (عليه السلام) حاضراً، فقال له: سلْها كيف فجرت؟ قالت: كنتُ في فلاةٍ من الأرض فأصابني عطشٌ شديد، فرُفعتْ لي خيمة، فأتيتُها فأصبتُ فيها رجلاً أعرابياً، فسألتُه الماء فأبى عليَّ أن يسقيَني إلا أنْ أمكِّنه من نفسي، فولَّيتُ منه هاربة، فاشتدَّ بيَ العطش، حتى غارتْ عيناي وذهبَ لساني، فلمَّا بلغ منِّي أتيتُه فسقاني، ووقع عليَّ ، فقال له عليٌّ (عليه السلام): هذه التي قال الله عزَّ وجل: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} هذه غير باغيةٍ ولا عادية إليه فخلَّى سبيلها، فقال عمر: لولا عليٌّ لهلك عمر"(7).
فالروايتان ظاهرتان في أنَّ المرأة مصدَّقة في دعواها الاضطرار إلى الزنا وهو غير دعوى الإكراه إلا أنَّ الظاهر عدم الفرق من جهة أنَّ كلا الدعويين تؤولان إلى دعوى عدم الاختيار وأنَّ ما وقع كان عن غير اختيار، نعم الرواية الثانية أخصُّ من المدَّعى حيث إنَّها لا تدلُّ على أكثر من قبول دعوى الاضطرار في فرض ثبوت الزنا بواسطة الإقرار، فليس في الرواية ما يُصحِّح استظهار قبول دعوى الاضطرار في فرض ثبوت الزنا بالبيِّنة.
ثم إنَّه لابدَّ من التنبيه على أنَّ قبول دعوى المرأة الإكراه على الزنا إنَّما هو في فرض عدم وجود ما يقتضي الاطمئنان بكذب دعواها الإكراه على الزنا كما لو فُرض أنَّها كانت ذات جاه ومنصب وكانت ذات قدرة على الامتناع وكان الزاني ضعيفاً في بُنيته وموقعه، ففي مثل هذا الفرض قد يحصل الاطمئنان بكذب دعوى الإكراه، فلو حصل الاطمئنان بكذب دعوى الإكراه فإنَّ الظاهر هو عدم سقوط الحدِّ عنها، إذ ليس في الروايات ما يقتضي استظهار الشمول لمثل هذا الفرض، ولهذا يكون المرجع هو إطلاقات ما دلَّ على استحقاق الزانية للحدِّ .
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
16من ذي القعدة 1446ه
14 مايو 2025م
-----------------
1- جواهر الكلام- الشيخ حسن الجواهري- ج41/ 279.
2- الكافي – الكليني- ج7/ 196. وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج28/ 110 .
3- الكافي – الكليني- ج7/ 191.وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 110.
4-وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج28/ 111.
5- سورة البقرة: 173.
6- وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 112.
7- من لا يحضره الفقيه- الصدوق- ج4/ 35، تهذيب الأحكام – الطوسي- ج10/ 49، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 112.