هل تأخر الانجاب للإمام الحسين(ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في السيرة الحسينية الشريفة ثمة سؤال فيما يتعلق بأعمار أبناء الإمام الحسين عليه السلام حيث ورد أن الإمام الحسين عليه السلام استشهد في عام ٦١ هـ عن عمر شريف يناهز ٥٧ سنة، وابنه الشهيد علي الأكبر استشهد عن عمر ١٨ سنة وقيل ٢٨ سنة ولنأخذ الرواية التي تقول ٢٨ سنة، بينما كان العمر الشريف للإمام زين العابدين في كربلاء ٢٣ سنة على قول.

هنالك فجوة بين أعمار أبناء الإمام الحسين عليهم السلام وعمر أبيهم (ع) بمعنى حسابيا وافتراضيا يكون عمر الإمام (ع) في إنجاب أول مولود له ٢٩ سنة. وهذا يتنافى وسيرة اهل البيت عليهم السلام في الزواج المبكر وحرصهم على الإنجاب لحفظ هذه الذرية الطاهرة

فهل هناك أبناء أكبر من العليين مثلا؟ أم أن الروايات في عمر أبناء الإمام غير دقيقة ومتفاوتة كثيرا؟ كيف نفسر هذه الفجوة الكبيرة بين عمر الإمام المولى عليه السلام وأبنائه عليهم السلام الذي يناهز الثلاثة عقود تقريبا.

الجواب:

المُحرز تأريخياً أنَّ الإمام الحسين (ع) قد تزوَّج من نساءٍ خمس، فقد تزوَّج من السيدة شهربانويه أو شاه زنان ابنة كسرى يزدجرد(1) وهي أم الإمام زين العابدين (ع) وتزوَّج من ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي(2) وهي أم عليِّ بن الحسين الشهيد الملقَّب بالأكبر وإن لم يكن هو الأكبر -على ما هو الأرجح-  وتزوَّج من الرباب بنت امرئ القيس بن عدي الكلبيَّة(3) وهي أم السيِّدة سكينة وعبد الله الرضيع وقيل إنَّها أم لولد آخر اسمه علي الأصغر ، وتزوَّج الإمام (ع) من القضاعيَّة وهي أم لولدٍ اسمُه جعفر توفي صغيراً في حياة أبيه (4) قبل واقعة الطف والخامسة ممَّن تزوجهنَّ الإمام الحسين (ع) هي أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي(5) وكانت زوجة للإمام الحسن المجتبى (ع) وبعد استشهاده تزوَّجها الإمام الحسين (ع) بوصية من أخيه (ع)، وأم إسحاق هي أمُّ فاطمة بنت الحسين (ع) وهي في ذات الوقت أمُّ فاطمة بنت الحسن التي تزوَّجها الإمام زين العابدين (ع) وأنجب منها الإمام الباقر (ع)

أمَّا زواجه من السيِّدة شهربانويه فكان في خلافة عمر بناءً على ما هو الأشهر من الأخبار (6) وقد توفي عمَر سنة 23ه وكان عمْرُ الإمام الحسين (ع) حينذاك قد بلغ العشرين سنة تقريباً ومقتضى ذلك أنَّ زواجه من السيدة شهربانو وقع قبل بلوغه العشرين.

وقد أنجب الإمام (ع) من السيِّدة شهربانو بحسب ما يذكره عدد من المؤرِّخين ابنتين هما زينب وأم كلثوم إلا أنَّهما تُوفيتا صغيرتين(7) ثم أنجب من السيدة شهربانو الإمام زين العابدين (ع) والقرينة على أنَّ زينب وأم كلثوم قد وُلدتا قبل الإمام زين العابدين (ع) هو ما يذكره العديد من المؤرِّخين من أنَّ السيِّدة شهربانويه ماتت في نفاسها بالإمام زين العابدين (ع) أو ماتت بعد ولادته بوقت يسير.(8)

وعليه فلو كانت السيدة شهربانو هي أول زوجاته – كما هو غير بعيد- فإنَّ أول مولودٍ للإمام (ع) كانت بنتاً، وكذلك فإنَّ المولود الثاني للإمام (ع) كانت بنتاً.

ثم إنَّه أيُّ محذور في أن يتأخر الانجاب للإمام الحسين (ع) لعارضٍ أو مانعٍ تكويني عند زوجته أو تكون عقيماً فيصبر عليها برهة من الزمن ثم يتزوج من غيرها، فالمحرز أنَّه (ع) قد تزوَّج في سنٍّ مبكرة يعني في سنة العشرين من الهجرة أو قبلها أو بعدها بقليل كما تؤكد عليه المعطيات التأريخية، فزواجه من السيدة شهربانويه كان في عهد عمر الذي توفي سنة 23 ه وكذلك فإنَّ زواجه من الرباب بنت امرئ القيس  كان في عهد عمر كما ذكر ذلك عدد من المؤرخين حيث ذكروا أنَّ والد الرباب جاء من الشام إلى المدينة في أيام خلافة عمر وكان نصرانياً من الكلبيين من أشراف قبيلة قضاعة فعرض على عمر إسلامه فولَّاه عمر على من أسلم من قبيلة قضاعة، فَأَدبَرَ الشَّيخُ -امرئ القيس- وَاللِّواءُ يَهتَزُّ عَلى رَأسِهِ، ونَهَضَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ومَعَهُ ابناهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ عليهم السّلام مِنَ المَجلِسِ حَتّى أدرَكَهُ، فَأَخَذَ بِرَأسِهِ، فَقالَ: أنَا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ، ابنُ عَمِّ رَسولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وآله وصِهرُهُ ، وهذانِ ابنايَ مِنِ ابنَتِهِ، وقَد رَغِبنا في صِهرِكَ فَأَنكِحنا .

قالَ: قَد أنكَحتُكَ يا عَلِيُّ المُحَيّاةَ بِنتَ امرِئِ القَيسِ، وأنكَحتُكَ يا حَسَنُ سَلمى بِنتَ امرِئِ القَيسِ، وأنكَحتُكَ يا حُسَينُ الرَّبابَ بِنتَ امرِئِ القَيسِ (9)

فزواج الإمام (ع) كان في وقت مبكر من عمره الشريف وأما متى رزق بأول مولود فذلك ما لم نتمكن من التثبُّت منه نظراً لعدم توفر المعطيات التأريخيَّة لذلك وإن كان المستقرب أنَّ أول مولودٍ كانت بنتاً وكذلك المولود الثاني وقد توفيتا صغيرتين .  

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

13 محرم الحرام 1447ه

9 يوليو 2025 م     


1- الارشاد - المفيد - ج2/ 135، كشف الغمة- الأربلي-ج2/ 249. ،إعلام الورى- الطبرسي-  ج1/ 478.

2-الارشاد - المفيد - ج2/ 135، سر السلسلة العلوية- أبو نصر البخاري-ص30، تاريخ مدينة دمشق- ابن عساكر- ج41/ 362، تاريخ اليعقوبي- اليعقوبي- ج2/ 247، الكامل في التاريخ- ابن الأثير- ج4/ 74،إعلام الورى- الطبرسي- ج 1/ 478.

3- تاريخ مدينة دمشق- ابن عساكر- ج69/ 119،الغارات – الثقفي الكوفي- ج2/ 816، الإصابة- ابن حجر-ج1/ 355، الأغاني- أبو الفرج الأصفهاني- ج16/ 361، الواقي بالوفيات- الصفدي- ج9/ 220.المعارف - الدينوري-ص 213

4- الإرشاد - المفيد- ج2/ 135،إعلام الورى- الطبرسي-  ج1/ 478. مناقب آل أبي طالب- ابن شهراشوب- ج3/ 231، كشف الغمة- الأربلي-ج2/ 249.

5-الارشاد - المفيد - ج2/ 135، مناقب آل أبي طالب- ابن شهراشوب-ج3/ 192، المعارف - الدينوري-ص 233

6-الكافي- الكليني- ج1/ 467، الغارات- الثقفي- ج2/ 825،دلائل الامامة- الطبري الامامي- ص 195، المجدي في أنساب الطالبيين- العلوي-ص93،

7- لباب الأنساب – ظهير الدين البهقي-ج1/ 22 .

8-الخرائج والجرائح - الراوندي- ج2/ 751، رجال ابن داود- ابن داود الحلي- ص 202. لباب الأنساب -ظهير الدين البهقي- ج1/ 22

9- تاريخ مدينة دمشق- ابن عساكر- ج69/ 119،الغارات – الثقفي الكوفي- ج2/ 816، الإصابة- ابن حجر-ج1/ 355، الأغاني- أبو الفرج الأصفهاني- ج16/ 361، الواقي بالوفيات- الصفدي- ج9/ 220.