من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني .. أليس حرجيَّاً؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

الحديث القدسي: (مَن أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني، ومن أحدث وتوضأ ولم يصلِّ فقد جفاني، ومن أحدثَ وتوضأ وصلَّى ولم يدعني فقد جفاني، ومن أحدث وتوضَّأ وصلَّى ودعاني ولم أجبه فقد جفوته، ولستُ بربٍ جافٍ).

أحد الإخوة المؤمنين لا يعترف بهذا الحديث القدسي، ويُنكر صحَّته تماماً وذلك لأنَّه يستلزم تكليف العباد بالعسير، والله تعالى رحيم فكيف يجفو أحدا لأنه لم يتطهر.

فما رأيكم سماحة الشيخ في هذا الكلام؟

الجواب:

ليس في الحديث ما يدلُّ على الأمر الإلزامي بالوضوء بعد كلِّ حدث، وبالصَّلاة بعد كلّ وضوء وبالدعاء بعد كلِّ صلاة حتَّى يصحّ التَّشكيكُ في صدور الحديث نظرًا لكونه مقتضياً لتشريع ما هو حرجيٌّ على العباد، فغاية ما يظهرُُ من الحديث الشريف هو الحثُّ عن أمور محبوبةٍ لله عزَّ وجلّ، وأنَّه يحسنُ بالمؤمن التَّأدُّب بها، ومن الواضح أنَّ المستحبَّات ليست إلزاميَّة حتَّى يكون في الأمرِ بها عُسْرٌ ومشقَّة على العباد، فلهم أن يعملوا بها ولهم أن يتركوها أو أن يعملوا بها في بعض الأوقات ويتركونها في أوقاتٍ أخرى.

فالمستحبَّات الشَّرعيَّة كالأمور التَّكوينيَّة النَّافعة التي قد لا يتيسَّر للإنسان المواظبة عليها ولكن عدم قدرته على المواظبة عليها لا يعني أنَّها غير نافعة ومستحسنة، فالمواظبة على أكل صنوف الفواكه والخضار في كلّ يومٍ أمرٌ نافع إلا أنَّه قد لا يتيسَّر للإنسان ذلك، فهل إنَّ عدم تيسُّر ذلك له معناه أنَّها غير نافعة، فكذلك الحال في المستحبَّات الشرعية كإطعام اليتامى والصدقة على الفقراء فإنَّه مستحبٌّ على أيِّ حال وفي كلِّ يوم، وعدم استطاعة الإنسان لذلك لا ينفي المحبوبية والحُسن عن هذا الفعل، كذلك هو الشأن في الوضوء والصلاة.

فالتَّعبير بالجفاء في الحديث الشريف إنَّما سيق لغرض التأكيد على شِدَّة محبوبية هذه الأفعال لله جلّ وعلا. والعبدُ المحبُّ لله يحرص ما أمكنه على التَّقرُّب لله تعالى بما يُحبّ إلا أنَّ الله جل وعلا لمَّا كان رحيماً بعباده فإنَّه لا يُكلِّفهم بما لا يُطيقون، وإنَّما يُخبرهم بما يُحبّه وبما فيه صلاحُهم وهم بدورهم يقومون بما يتمكَّنونه من عملٍ محبوب لله جلَّ وعلا يتقرَّبون به لربِّهم جلَّ وعلا.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور