قاعدة: (من أدركَ ركعةً فقد أدرك الوقت)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

(مَن أدرك ركعةً فقد أدرك الصلاة) ما الدلالة الظاهرية لهذه القاعدة، وما الدليل الشرعي على ثبوتها؟

الجواب:

هذه الفقرة نصُّ روايةٍ أرسلها الشهيد الأول في الذكرى عن النبيِّ الكريم (ص) وظاهر المُراد منها أنَّه يكفي لإدراك الصلاة في وقتها إدراكُ مقدارِ ما يسعُ لركعةٍ واحدة، فالرواية نزَّلت إدراك مقدار ركعةٍ من الوقت منزلةَ إدراك الوقت، وعليه تكون الصلاة أدائية لمجرَّد إدراك مقدار ركعةٍ من وقتها.

ومِن الثمرات الفقهيَّة المترتِّبة على ذلك هو أنَّ الحائض مثلاً لو نقتْ من دم الحيض وكان قد بقيَ من الوقت مقدار الطهارة من حدث الحيض وركعة واحدة فإنَّها تكون ممَّن أدرك الوقت، ولذلك تجب عليها المبادرة للغسل وأداء الصلاة ولو لم تفعل لزمها القضاء بخلاف ما لو نقت بعد ذلك وقبل انقضاء الوقت فإنَّه لا يلزمها القضاء، وهكذا الصبي إذا بلغ قبل انقضاء الوقت بمقدار الطهارة وركعة أو أفاق المجنون قبل انقضاء الوقت بمقدار الطهارة وركعة.

ومن الثمرات أنَّ المسافر لو عاد إلى وطنه دون صلاة قبل انقضاء الوقت بركعة فإنَّه ملزم بقضاء الصلاة تامةً بخلاف ما لو رجع بعد ذلك فإنَّه ملزمٌ بقضائها قصراً.

وأمَّا مدرك القاعدة فهو العديد من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):

وعمدتها: موثقة عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله (ع) -في حديث- قال: "فإنْ صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليُتمْ وقد جازت صلاته"([1]).

وأمَّا الروايات الأخرى: كالتي أرسلها الشهيد في الذكرى وكذلك مرسلته الثانية عن النبيِّ (ص) قال: "من أدرك ركعةً من العصر قبل أنْ يغرب الشمس فقد أدرك الشمس"([2]). فهما ضعيفتان بالإرسال.

وكذلك رواية الأصبغ بن نباتة قال: "قال أمير المؤمنين (ع) من أدرك من الغداة ركعةً قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة"([3]). فإنَّ سندها لا يخلو من إشكال لاشتماله على أبي جميلة المفضل بن صالح وإنْ كان لا يبعد أنَّه ثقة.

وعلى أيِّ تقدير فموثقة الساباطي كافية لإثبات المطلوب فإنَّ مفادها هو أنَّ إدراك ركعة من صلاة الغداة قبل طلوع الشمس إدراكٌ للوقت وهو ما يقتضي وجوب البدار لأدائها وكذلك يقتضي أنَّ الحائض مثلاً مخاطبة بالصلاة لو نقت قبل خروج الوقت بمقدار الغسل وركعة واحدة وبهذا يتعين عليها القضاء لو لم تؤدِ الصلاة.

إشكالٌ وجواب:

وأمَّا ما استشكله بعض الأعلام من أنَّ الرواية خاصة بصلاة الغداة فهي أخصُّ من المدَّعى الذي يقتضيه عموم القاعدة فجوابه -كما أفاد السيد الخوئي– يمكن البناء على التعميم بعدم القول بالفصل وكذلك بالقطع بعدم الخصوصية لصلاة الغداة وهو ما يوجب فهم إرادة التعميم من الرواية.

وبتعبير آخر: إنَّ المستظهَر عرفاً من مفاد الرواية أنَّ إدراك ركعة قبل خروج الوقت إدراكٌ للوقت، وبذلك لا تكون لصلاة الغداة خصوصية مقتضية لاعتبار إدراك ركعة من صلاة الغداة خاصَّة إدراك للوقت ولا يكون ذلك ثابت لغيرها من الصلوات الموقتة.

وأضاف السيد الخوئي (رحمه الله)([4]) أنَّ ثبوت الادراك لصلاة الغداة بإدراك ركعةٍ منها يقتضي بالأولوية العرفية ثبوت ذلك لسائر الصلوات، وذلك لما ورد من النهي عن الصلاة بعد طلوع الشمس، فإذا كان إدراك ركعةٍ من وقت الغداة رافعاً للكراهة أو الحرمة عن الإتيان ببقية الصلاة في الظرف المنهيِّ عن الصلاة فيه فإدراك ركعة من صلاة لا يكون فيها الوقت الخارج من الأوقات المنهيِّ عن الصلاة فيها يكون أولى بالاعتبار أي اعتبار إدراك ركعة من وقت الصلاة إدراكٌ للوقت. ولعلَّ تخصيص صلاة الغداة بالذكر هو هذه الخصوصية التي لصلاة الغداة حيث إنَّ غيرها من الصلوات لا يكون الإتيان بالصلاة في الوقت الخارج عنها غضاضة وحزازة شرعية.

فالصحيح هو صلاحية موثقة الساباطي لاثبات عموم القاعدة المؤيَّد ذلك بالروايات الأخرى وبدعوى الإجماع.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

4 / ربيع الثاني / 1429هـ

11 / أبريل / 2008م


[1]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج4 / ص217.

[2]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج4 / ص218.

[3]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج4 / ص217.

[4]- مستند شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج11 / ص233.