التفصيل في الإجزاء بين الأصول والأمارات

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

يذهب صاحب الكفاية إلى القول بإجزاء المأمور به بالأمر الظاهري إذا كان مستفاداً من الأصول لا الأمارات، ولكن لماذا في مثل الوضوء والغسل لو انكشف الخلاف لا يتحقَّق الإجزاء؟ هل هو لدليلٍ خاص؟ وما هو إنْ كان؟

الجواب:

المثال المذكور يُعدُّ من النقوض على مبنى صاحب الكفاية (رحمه الله) حيث لم يلتزم أحدٌ من الفقهاء ولم يلتزم هو نفسه بالبناء على صحَّة الوضوء والغسل لو توضَّأ أو اغتسل بماءٍ متنجس استناداً إلى قاعدة الطهارة أو استصحاب الطهارة ثم انكشف له تنجُّسه واقعاً.

نعم لو صلَّى بهذا الوضوء أو هذا الغسل فإنَّ بعض الفقهاء كصاحب الحدائق (رحمه الله) بنى على صحة الصلاة بدعوى إطلاق الأدلة على معذوريَّة الجاهل إلا أنَّ ذلك مخالفٌ لما عليه المشهور من البناء على عدم إجزاء الصلاة بعد انكشاف فساد الوضوء أو الغسل وأنَّه يلزم إعادتها في الوقت والقضاء في خارجه.

وعمدة ما استُدل به على ذلك بعد نفي دعوى شمول أدلَّة معذورية الجاهل للمورد المذكور هو معتبرة عمار الساباطي أنَّه سأل أبا عبدالله (ع) عن رجل يجد في إنائه فارة، وقد توضَّأ من ذلك الإناء مراراً، أو اغتسل منه، أو غسل ثيابه، وقد كانت الفارة متسلخة، فقال: إنْ كان رآها في الإناء قبل أنْ يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه، ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء، فعليه أنْ يغسل ثيابه ويغسل كلَّ ما أصابه ذلك الماء ويُعيد الوضوء والصلاة، وإنْ كان إنَّما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا يمس من ذلك الماء شيئاً، وليس عليه شيء، لأنَّه لا يعلم متى سقطت فيه، ثم قال: لعلَّه أن يكون إنَّما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها(1)".

فالرواية في فرضها الثاني صريحة في أنَّ علَّة عدم إيجاب إعادة الوضوء والصلاة هو الشك في زمن وقوع الفأرة في الإناء، فلعلَّ وقوعها فيه حصل بعد الوضوء والغسل للثوب، وظاهر ذلك أنَّه لو علم بأنَّ سقوط الفأرة كان قبل الوضوء فإنَّ وظيفته هي إعادة الوضوء والصلاة.

ولا فرق في هذا الفرض بين أنْ يكون وضوءه بالماء المتنجِّس واقعاً كان استناداً إلى يقينه بطهارته بحيث يكون جهله بنجاسته من الجهل المركب أو كان وضوؤه مستنداً إلى قاعدة الطهارة أو استصحابها ففي تمام هذه الفروض كان المكلَّف جاهلاً بالواقع ثم تبيَّن له الواقع وهو نجاسة الماء الذي توضأ به وقد أفادت الرواية أنَّ عليه إعادة الوضوء وكذلك الصلاة. 

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج1 / ص142.