القدريَّة مجوسُ هذه الأمَّة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هناك من وصفتهم بعض الروايات بمجوس هذه الأمَّة، فهل تارك الصلاة منهم؟

 

الجواب:

ما وجدته في الروايات المأثورة عن الرسول وأهل بيته (ع) أنَّ الموصوفين بمجوس هذه الأمَّة هم القدريَّة.

 

فمن هذه الروايات ما رواه في جامع الأخبار: عن النبيِّ (ص) قال: "القدريَّة مجوس هذه الأمَّة، خُصماءُ الرحمن وشهداءُ الزور"(1).

 

ومنها: ما أورده الشيخ الصدوق في التوحيد بسنده عن عليِّ بن سالم عن أبي عبدالله (ع) قال: "إنَّ القدريَّة مجوسُ هذه الأمَّة، وهم الذين أرادوا أنْ يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ / إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾(2)"(3).

 

وبناءً على ما يظهر من هذه الرواية أنَّ القدرية هم الذين يعتقدون أنَّ أفعال العباد الاختيارية خارجةٌ عن تقدير الله تعالى ومشيئته، وهؤلاء هم المفوِّضة، وفي مقابلهم المجبِّرة الذين يعتقدون بأن الإنسان لا اختيار له فيما يفعل.

 

وكلا المذهبين باطلان، والمذهبُ الحق هو ما صحَّ عن أهل البيت (ع) أنَّه لا جبر ولا تفويض بل هو أمرٌ بين أمرين.

 

ولعلَّ منشأ تشبيه القدرية بالمجوس هو أنَّ القدريَّة يعتقدون بخروج أفعال العباد الاختيارية عن سلطان الله تعالى ومشيئته، والمجوس يعتقدون بأنَّ الشرور والآفات تصدرُ عن إلهٍ غير الإله الذي تصدرُ عنه الخيرات، فيعبِّرون عن الأول بإله الظلمة وعن الثاني بإله النور، فكلُّ ما هو سيء في هذا الكون بنظر الإنسان فهو صادرٌ عن إله الظلمة وخارجٌ عن سلطان إله النور ومشيئته.

 

فوجهُ الشبه بين القدريَّة وبين المجوس هو الاعتقاد بأنَّ بعض أفعال الأنسان خارجة عن سلطان الله تعالى بنظر القدريَّة وخارجةٌ عن سلطان إله النور بنظر المجوس.

 

فالمجوس والقدرية يعتقدون بوجود مبدئين لأفعال الإنسان كلٌّ منهما مستقلٌّ عن الآخر، فمبدأ صدور الخير هو الله سبحانه وتعالى عند القدريَّة وإله النور عند المجوس، ومبدأ صدور الأفعال الاختيارية الشِّريرة هو الإنسان باستقلاله - دون أن يكون لله فيها مشيئة- بنظر القدريَّة. ومبدأ صدور الأفعال الشريرة بنظر المجوس هو إله الظلمة المعبَّر عنه بأهرمن.

 

ثم إنَّ المجبِّرة والمجوس يشتركون في الاعتقاد بأنَّ الإنسان مقسورٌ على ما يفعل من خيرٍ أو شرٍّ غايته أنَّ المجبِّرة يعتقدون أنَّ ما يفعله الإنسان من خيرٍ أو شرٍّ فهو صادرٌ عن الله جلَّ وعلا، وأمَّا المجوس فيعتقدون بأنَّ أفعال الخير صادرةٌ عن إله النور، وأمَّا الأفعال الشريرة فهي صادرةٌ عن إله الظلمة.

 

فوجه الشبه بين المجبِّرة وبين المجوس هو الاعتقاد بأنَّ الإنسان مقسورٌ على ما يفعل، فكلُّ أفعاله خارجةٌ عن إرادته واختياره، لذلك لم يستبعد عددٌ من العلماء أنَّ مراد النبيِّ (ص) من قوله "القدريَّة مجوس هذه الأمة" شاملٌ للمجبِّرة والمفوضة.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- جامع أحاديث الشيعة -السيد البروجردي- ج26 / ص34.

2- سورة القمر / 48-49.

3- التوحيد -الشيخ الصدوق- ص382.