تعريف الحكم الشرعي عند القدماء

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

قال السيد الشهيد (قد) في الحلقة الأولى من الأصول ما نصه "وعلى هذا الضوء يكون من الخطأ تعريف الحكم الشرعي بالصيغة المشهورة بين قدماء الأصوليين، إذ يعرفونه بأنه الخطاب الشرعي المتعلق بأفعال المكلفين، فإنَّ الخطاب كاشفٌ عن الحكم، والحكم هو مدلول الخطاب. أضف إلى ذلك أنَّ الحكم الشرعي لا يتعلَّق بأفعال المكلفين دائما، بل قد يتعلَّق بذواتهم أو بأشياء أخرى ترتبط بهم".

فقد لاحظ السيد الشهيد على هذا التعريف ملاحظتين، والملاحظة الثانية تتمثل في عدم شمول التعريف للحكم الوضعي، إلا أنَّه بعد مراجعة هذا التعريف عند قدماء الأصوليين -إن صح التعبير- نجد أنَّ هذا الإشكال ليس وارداً، قال ابنُ العلامة في إيضاح الفوائد ما نصُّه: "الحكم الشرعي هو خطاب الشرع المتعلِّق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع" وغيرها من العبارات في غيره من الكتب ظاهرة في شموله للحكم الوضعي؟

الجواب:

تعريف الحكم الشرعي بأنَّه خطاب الله المتعلِّق بأفعال المكلَّفين هو التعريف المشتهر بين قدماء الاصولين من أبناء العامة، وقد نسبه العلامة الحلي في كتابه نهج الحق إلى الاشاعرة قال: "وقالت الاشاعرة:" حكم الله تعالى خطابه المتعلَّق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير"(1).

وقال الغزالى المتوفي سنة 505هـ: "الحكم عندنا عبارة عن خطاب الشرع إذا تعلَّق بأفعال المكلفين"(2).

وقال الرازي المتوفي سنة 606هـ في كتابه المحصول في تعريف الحكم الشرعي: "قال: أصحابنا إنَّه الخطاب المتعلِّق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير"(3).

وقال ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري: "الحكم الشرعي عند الاصوليين خطاب الله تعالى المتعلِّق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير"(4).

فتعريف الحكم الشرعي بما أفاده السيد الشهيد (رحمه الله) ممَّا لا اشكال في انتسابه إلى مشهور قدماء الاصولين من أبناء العامة، وقد تلَّقاه الاصوليون من الفريقين بعد ذلك بالشرح والنقد، والايراد الثاني الذي أفاده السيِّد الشهيد قد أورده العديد من الاصولين من الفريقين.

فممَّن أورده من العامة الآمدي في كتابه في اصول الفقه المسمَّى بالاحكام قال: إنَّه عبارة عن خطاب الشارع المتعلِّق بأفعال المكلفين، وقيل إنَّه عبارة عن خطاب الشارع المتعلِّق بأفعال العباد، وهما فاسدان، .. وقال آخرون: إنَّه عبارة عن خطاب الشارع المتعلِّق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير، وهو غير جامع: فإنَّ العلم بكون أنواع الأدلة حججاً، وكذلك الحكم بالملك والعصمة ونحوه أحكام شرعيَّة، وليست على ما قيل"(5).

وأمَّا من علمائنا فابن العلامة وأكثر من جاء بعده ممَّن وقفنا على كلماتهم كان متنبِّهاً لهذا الايراد ومتبنياً لاضافة ما يقتضي دخول الحكم الوضعي في تعريف الحكم الشرعي.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- نهج الحق وكشف الصدق -العلامة الحلي- ص379.

2- المستصفى -الغزالي- ص45.

3- المحصول -الرازي- ج1 / ص89.

4- فتح الباري -ابن حجر- ج13 / ص98.

5- الاحكام -الآمدي- ج1 / ص95.