معنى وسند قوله (ع): "وترقِّق له الثياب"

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

جاء في حديث عن يونس عن الإمام الصادق (ع) قال: قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل يُريد أن يتزوَّج المرأة يجوز له أنْ ينظر إليها؟ قال (ع): "نعم وترقِّق له الثياب"(1).

ما معنى "ترقِّق الثياب"؟ وهل يجب عليها ذلك؟ وهل الرواية صحيحة؟!

الجواب:

المراد من ترقيق الثياب هو أن تلبس ثيابًا لا تمنع من التعَّرف على حجم بدنها الواقعي، فليس المقصود من الترقيق هو لبس ما يحكي البشرة كما قد يُتوهم، بل لأنَّ المرأة قد تلبس الثياب الثخينة كالفرو مثلاً أو تلبس ثيابًا متعدِّدة، فلا يتمكن الناظر من التعَّرف على أنَّها نحيفة أو ممتلئة، فمفاد الرواية هو أنَّ للمرأة أنْ تلبس ثيابًا خفيفة تحكي حجم جسدها الواقعي، ولعلَّ ما يُؤيد هذا الاستظهار هو أنَّ الرواية استعملت صيغة الجمع "الثياب" ولو كان المراد من الترقيق هو لبس ما يحكي البشرة لكان الأولى هو القول: "وترقِّق له الثوب"، إذ أنَّ تعدد الثياب -ونظراً لكونها متداخلة ومتراكبة خصوصاً في ذلك الزمن- سيمنع من حكاية البشرة وهو ما يُؤكد عدم إرادة هذا المعنى.

وعلى أيِّ حال فالرواية إن لم تكن ظاهرة في المعنى الذي ذكرناه فهي لسيت ظاهرة في المعنى الآخر، فهي إذن مجملة فلا يصحُّ التمسك بها لإثبات جواز أنْ تلبس المرأة ما يحكي البشرة لينظر إليها من يُريد التزوج منها.

كلُّ ذلك مبنيٌّ على أنَّ الوارد في الرواية هو قوله: "وترقِّق له الثياب" كما هو في الوسائل للحرِّ العاملي والذي نقل الرواية -كما صرَّح هو- من كتاب علل الشرايع للشيخ الصدوق (رحمه الله)، وأمَّا لو كان الوارد في الرواية هو قوله: "وترفق له الثياب"(2) كما في النسخة المتداولة من كتاب علل الشرايع فإنَّ ظهور الرواية في تخفيف الثياب يكون جلياً، فإن تمَّ ترجيح إحدى النسختين وإلا فالرواية ساقطة عن الحجيَّة في هذا المقدار لعدم إحراز ما الذي أفاده الإمام (ع).

وأما أنَّه هل يجب عليها ترقيق الثياب له أو لا؟

فالجواب: هو أنَّها غير ملزمَةٍ بذلك، وحينئذٍ فإنْ شاء خطبها وإنْ شاء بحث عن أخرى، فإنَّ الأمر في الرواية جاء في سياق توهُّم الحظر، لذلك فهو لا يدل على الوجوب، وأقصى ما يدلُّ عليه هو الجواز، على أنَّ الجواز مقيد بمقتضى النصوص الأُخرى بأن لا يكون نظره إليها بريبة، وبأن لا يتكرر ذلك منه، لأنَّ الغرض من النظر هو التعَّرف على مَن يريد التزوُّج منها، فإذا كان قد تعرَّف على ذلك فلا يجوز له النظر إليها مرةً أُخرى.

وأمَّا سند الرواية فهو تامٌ ومعتبر، فقد أورد الشيخ الصدوق الروايةَ عن أبيه (رحمه الله) عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن يونس بن يعقوب، وكلُّ هؤلاء ثقات أجلاء.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص61.

2- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص500.