الاختلاف في تعريف مصطلح المجهول

المسألة:

ما هو رأيكم في المجهول بحسب مصطلح الرجال فقد رأيتُ أنّ المسألة محلُّ خلافٍ بين العلماء فبعضهم يقول بأنَّه: (ما صرّح علماء الرجال بمجهوليَّته وهو -على هذا- من ألفاظ الجرح) وإلى هذا الرأي ذهب المحقِّق الداماد (قده) ونسبه في قاموس الرجال إلى العلامة وابن داوود وأصرَّ عليه الشيخ السبحاني مفرِّقاً بين المجهول وبين المهمَل بأنَّ المجهول هو ما تقدَّم والمهمل هو: مَن ذُكر ولم يُذكر فيه مدح أو ذم.

وقال آخرون بأنَّ المجهول هو مَن لم يُذكر في كتب الرجال بمدحٍ أو ذم بنحو سلبِ الحمل لا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، والمُهمل هو الثاني. وهناك رأيٌّ آخر في المسألة.

ومن الواضح أنَّ الثمرة تظهر لو قيل بأنَّ المجهول هو غير الرأي الأول فيُمكن تجميع قرائن على وثاقته ككثرة الرواية عنه وكثرة الترحُّم والترضِّي ونحو ذلك. فما هو برأيكم التعريف الصحيح للمجهول؟

الجواب:

اختلف الرجاليون كما أفدتم في مصطلح المجهول إلاّ أنَّ الثمرة التي ذكرتم أنَّها تظهر بين القول الأول وبقية الأقوال ليست تامَّة، ذلك لأنَّه لو كان المنشأ من وصفه بالمجهول -بناءً على القول الأول- هو عدم معرفة الرجاليين بحاله من حيث الوثاقة والضعف فإنَّ تحصيل الوثاقة له بواسطة القرائن الخاصَّة أو العامة منتجٌ للحكم بوثاقته وإنْ وصفه الرجاليون بالمجهول، أي أنّ وصفه بالمجهول من قبل الرجاليين لا يمنع من إثبات وثاقته بواسطة القرائن الخاصَّة أو العامة عيناً كما هو الحال فيما لو لم يصفه الرجاليون بذلك إلاّ أنَّهم لم يذكروه بمدح أو ذم أو أهملوا ذكره من الأساس.

أمّا لو كان المنشأ من وصفه بالمجهول -بناء على القول الأول- هو الوقوف على قدحٍ فيه إلاّ أنهم تنزهوا ورعاً عن ذكره فإنَّ الثمرة التي ذكرتموها تكون تامَّة حيث إنَّ المجهول بالمعنى الأول يكون تضعيفاً وبذلك لو وقفنا على قرائن خاصة أو عامة على وثاقته فإنها تكون معارضة بوصفه من قبل الرجاليين بالمجهول، وهذا بخلاف التعريفات الأخرى للمجهول فإنَّها لا تقتضى التعارض مع القرائن المعبِّرة عن الوثاقة لو اتَّفق تحصيلها.

إلاّ أن احتمال أن يكون المنشأ من الوصف بالمجهول هو إحراز القدح والتنزُّه عن ذكره بعيدٌ جداً بعد ملاحظة ما تعارف عليه الرجاليُّون من التصريح بالجرح والتعديل، نعم هناك احتمالٌ ثالث هو أنَّ منشأ الوصف بالمجهول -بناءً على القول الأول- هو التردُّد في شأن الرجل وأنَّه ثقة أو ضعيف نتيجة الوقوف على بعض ما يوجب الظن بضعفه إلاّ أنَّ هذا الاحتمال لو تمَّ فإنّه لا يُصحِّح المنع من الاعتماد على قرائن الوثاقة لو اتَّفق الوقوف عليها.

والمتحصَّل أنَّه لا ثمرة بين الأقوال في معنى المجهول من هذه الجهة، نعم وصف الرجل بالمجهول من قبل الرجاليين يُقلِّل من نسبة الوثوق بالقرائن الخاصَّة والعامَّة على الوثاقة أي أنَّ القرائن كمَّاً وكيفاً التي نحتاجها لإثبات الوثاقة للمجهول -الذي لم يذكر بمدحٍ أو ذم أو لم يُذكر أصلاً- أقل من مقدار القرائن التي نحتاجها لإثبات الوثاقة للرجل الذي وصفه الرجاليون بالمجهول، وذلك لأنَّ وصفه بالمجهول يُوجب الشك بنسبةٍ ما في قرينيَّة هذه القرائن، فلعلَّ مَن وقفنا على قرائن وثاقته هو غير الموصوف بالمجهول كما أنَّ هذه القرائن التي وقفنا عليها يمكن أنْ يكون الرجاليون قد وقفوا عليها ولم يقبلوا بها لسببٍ نجهله، وذلك هو ما يُضعِّف قرينيَّتها بنسبةٍ ما.

 

والذي يرجح بنظرنا أن وصف أحدٍ بالمجهول لا يُمثل قدحاً، فلا يكون ذلك مانعاً من توثيقه لو أمكن تحصيل القرائن على ذلك. فلا فرق بين الرجل الموصوف بالمجهول وبين الذي لم نقف على حاله من حيث الوثاقة والضعف لا من حيث عدم حجيَّة خبره عند عدم حصول القرائن على وثاقته ولا من حيث صحة العمل بخبره لو تمَّ الحصول على قرائن الوثاقة.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور