حكم المشتبَه بين الوجوب والحرمة

المسألة:

إذا اشتبه المكلف بين الواجب والحرام فما هو الموقف العملي؟ هل هو براءة الذمة أو الاحتياط بعمل الاثنين، وبالتالي سيؤدي الواجب ويقع في الحرام أم هناك أمر آخر، مثلا لو أنّ المكلف علم بوجوب شرب أحد السّائلين والسّائل الأول دواء والسّائل الثاني خمر؟

الجواب:

السُّؤال يحتمل أكثر من فرض:

الفرض الأوَّل: أن يقع الاشتباه بين شيئين يعلم بوجوب أحدهما وحرمة الآخر ولكنَّه يجهل أيّهما الواجب وأيُّهما المحرم، فلو كان هذا الفرض هو المقصود لكانت الوظيفة هي التخيير بين أن يفعل الأول ويترك الآخر أو العكس، أما أن يتركهما معًا أو يفعلهما معًا فذلك غير جائز لاستلزامه المخالفة القطعيَّة لأنَّه إذا تركهما معًا يكون قد ترك الواجب قطعًا وإذا فعلهما معًا يكون قد فعل محرَّمًا قطعًا، أمَّا إذا ترك أحدهما وفعل الآخر برجاء المطلوبيَّة فالمخالفة سوف تكون احتماليَّة كما أنَّ الموافقة كذلك ستكون احتماليَّة.

فلأنَّ الموافقة القطعيَّة غير ممكنة لذلك لا يكون العلم الإجمالي منجِّزًا من جهتها ولكن لمَّا كانت المخالفة القطعيَّة ممكنة لذلك يكون العلم الإجمالي منجِّزًا من جهتها لذلك يلزم ترك المخالفة القطعيَّة وذلك لا يتحقَّق إلا بترك أحد الطرفين وفعل الآخر.

الفرض الثَّاني: أن يقع الاشتباه في طرفين الأول نحتمل أنَّه إمَّا واجب أو غير واجب والثَّاني إمَّا محرَّم أو غير محرَّم ولو كان هذا الفرض هو المقصود فالوظيفة هي إجراء البراءة عن الوجوب في الطرف الأول وإجراء البراءة عن الحرمة في الطرف الثَّاني لأنَّ الشُّبهة في كُلّ طرف بدْويَّة.

الفرض الثَّالث: نفس الفرض الثَّاني ولكن المكلَّف يعلم بجامع التّكليف الإلزامي بمعنى أنَّه يعلم بوجود إمَّا وجوب أو حرمة في أحد الطرفين، وهذا معناه أنَّه لو أجرينا البراءة في كلا الطرفين لعلمنا بأنَّ إحدى البراءتين منافية للواقع جزمًا، لذلك فالشُّبهة هنا مقرونة بالعلم الإجمالي، ولأنَّ الموافقة القطعية ممكنة وذلك بواسطة الإتيان بالطرف الأول المحتمل للوجوب وترك الثاني المحتمل للحرمة لهذا يكون العلم الإجمالي منجِّزًا أي أنَّه يلزم المكلف الاحتياط بفعل الأول وترك الثاني وبذلك تحصل الموافقة القطعيَّة.

وأمَّا حكم الصُّورة التي ذُكرت في المثال:

فإنْ كان المقصود أنَّ شرب أحد السائلين يُسقط الوجوب المعلوم وكان يعلم بأنَّ الأول دواء والثَّاني خمر فحينئذٍ يتعيَّن عليه اختيار السّائل المباح وهو الدَّواء في المثال.

فلو أنَّ إنقاذ النَّفس يتوقَّف على شرب أحد السَّائلين وكان يعلم أنَّ أحدهما وهو الأول دواء والآخر خمر فحينئذٍ يكون قادرًا على امتثال الوجوب في ضمن الطرف المباح فلا يجوز له امتثال الوجوب في ضمن الطرف المحرم.

وأمَّا لو كان المقصود من المثال هو سقوط الواجب المعلوم بشرب أحد الطرفين أيضًا ولكنَّه يعلم أنَّ أحدهما غير المعين دواء والآخر غير المعين خمر فهنا تدخل المسألة تحـت كبرى باب التزاحم فإن كان الوجوب أهمّ ملاكًـا من حرمة شرب الخمر فحينئذٍ وجب عليه الشُّرب من أحد السَّائلَين، وإن كانت حرمة الخمر أهمّ ملاكًا فحينئذٍ يسقط الوجوب فيتعيَّن عليه ترك الشرب لكلا السَّائلين أمَّا لو كانا متساويين في الملاك فالوظيفة هي التَّخيير بين شرب الأوَّل وترك الآخر أو العكس.

والاحتمال الثَّالث للمثال المذكور أن يعلم بوجوب شرب أحد السَّائلين لأنَّه دواء وحرمة شرب الآخر لأنَّه خمر إلا أنَّه لا يعلم أيُّهما الدواء وأيُّهما الخمر فهنا لو شربهما معًا فإنَّه يكون قد شرب الخمر قطعًا، ولو تركهما معًا يكون قد ترك واجبًا قطعًا لو فرض عدم وجود طرف ثالث يجوز الامتثال للواجب بواسطته، وبذلك يكون الحكم في المقام كالحكم في الفرض الأول الذي ذكرناه وهو التخيير بين شرب الأول وترك الآخر أو العكس وذلك لعدم القدرة على الموافقة القطعيّة.

نعم لو كان الوجوب أهمّ ملاكًا من الحرمة لزمه شرب السَّائلين ولو كانت الحرمة أهمّ ملاكًا من الوجوب لزمه ترك الشُّرب لكلا السَّائلين.

والفرق بين الاحتمال الثَّاني والاحتمال الثَّالث أنَّ الوجوب في الاحتمال الثَّاني يسقط بشرب أحد السَّائلين حتَّى وإن كان خمرًا وأمَّا الاحتمال الثَّالث فامتثال الوجوب لا يسقط إلا بشرب الدَّواء ولذلك قلنا في الاحتمال الثَّاني بكفاية الشُّرب من أحد السَّائلين في فرض كون الوجوب أهمّ ملاكًا لأنَّه بذلك يسقط الوجوب، وقلنا بوجوب الشُّرب لكلا السَّائلين في الاحتمال الثَّالث لو كان الوجوب أهمّ ملاكًا لأنَّه لا يحصل العلم بامتثال الوجوب إلا بشرب كلا السَّائلين لأنَّه بذلك يكون قد علم بشرب الدَّواء.

نعم في فرض التَّساوي لا فرق في النَّتيجة بين الاحتمال الثَّاني الثَّالث ففي كلا الصُّورتين لا تكون الموافقة القطعيَّة ممكنة لذلك يكون المكلف مخيرًا بين شرب أحدهما وترك الآخر أو العكس، ولأنَّ المخالفة القطعيَّة ممكنة وذلك بشربهما معًا أو تركهما معًا لذلك تكون محرَّمة.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور