عليٌّ (ع) حين صعد على منكبي الرسول الأعظم (ص)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

عندما صعد أميرُ المؤمنين (ع) على منكبي النبيِّ (ص) في فتح مكة لكسر الأصنام قال (ع): "خُيِّل لي أنِّي لو شئتُ نلتُ السماء"(1) فهل تعبير الإمام (ع) بقوله (خُيِّل) إشارة إلى أنَّ الأمر لم يكن فيه شيءٌ من الواقعية؟

الجواب:

الواقعة رُويت من طرقنا وطرق العامة بألسنةٍ مختلفة، فبعضها وإنْ اشتمل على ما يظهر منه أنَّ عليَّاً (ع) تخيَّل أنَّه لو أراد أنْ ينال السماء لنالها بيده إلا أنَّ رواياتٍ أخرى عديدة أفادت ما يظهر منه أنَّ عليَّاً (ع) لو شاء أنْ ينال السماء بعد أنْ صعد منكبي النبيِّ (ص) لنالها واقعاً بيديه.

فمن هذه الروايات ما أورده ابن جبر في نهج الإيمان عن أبي بكر البيهقي بإسناده عن أمير المؤمنين قال: قال رسول الله (ص): "إحملني لنطرح الأصنام من الكعبة، فلم أُطِق حمله، فحملني، ولو شئتُ أتناول السماء فعلت"، وفي خبر: أنْ أنال السماء بيدي لنلتُه(2).

ومنها: ما أورده ابن شهراشوب في المناقب عن أبي بكر الشيرازي عن قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال: قال لي جابر بن عبد الله: دخلنا مع النبيِّ (ص) مكة وفى البيت وحوله ثلاثمائة وستون صنماً فأمر بها رسول الله (ص) فأُلقيتْ كلُّها لوجوهها، وكان على البيت صنمٌ طويل يُقال له هُبَل فنظر النبيُّ (ص) إلى عليٍّ وقال له: يا علي تركب عليَّ أو أركبُ عليك لاُلقي هُبَل عن ظهر الكعبة ؟ قلتُ: يا رسول الله بل تركبني فلمَّا جلس على ظهري لم أستطع حمله لثقل الرسالة، قلتُ: يا رسول الله بل أركبك، فضحك ونزل وطأطأ لي ظهره واستويتُ عليه فوالذي فلَقَ الحبَّة وبرأ النسمة لو أردتُ أنْ أُمسك السماء لأمسكتُها بيدي فألقيتُ هُبل عن ظهرِ الكعبة .."(3).

ومنها: ما أوارده الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل بسنده عن أبي هريرة قال: قال لي جابر بن عبد الله: دخلنا مع النبيِّ (ص) مكة .. فضحك ونزل فطأطأ لي ظهره واستويتُ عليه، "فوالذي -أي قال علي (ع)- فلقَ الحبة وبرأ النسمة لو أردتُ أن أمسَّ السماء لمسستُها بيدي فألقيتُ هبل عن ظهر الكعبة فأنزل الله تعالى: ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾(4)"(5).

وفي رواية أنَّ النبيَّ (ص) قال لعليٍّ حين صعد على منكبي رسول الله (ص): ما ترى يا علي؟ قال: أرى أنَّ الله عزَّ وجل قد شَّرفني بك حتى لو أردتُ أنْ أمسَّ السماء بيدي لمسستُها"(6).

وفي السيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي أنَّه قيل لعلي (ع): كيف كان حالُك وكيف وجدتَ نفسك حين كنتَ على منكب رسول الله (ص) فقال كان من حالي أنَّي لو شئتُ أنْ أتناول الثريَّا لفعلت(7).

فهذه النصوص ظاهرةٌ جداً بل هي صريحة في تحقُّق القدرة الواقعيَّة الفعليَّة لعليٍّ (ع) على تناول السماء بيده حين صعد على منكب الرسول الكريم (ص) لإلقاء هُبَل من على ظهر الكعبة.

والظاهر أنَّ ذلك هو ما أفاده عليٌّ (ع) وأنَّ ما ورد في بعض المرويات أنَّه خُيَّل إليه القدرة على تناول السماء كان من فهم الراوي ولم يكن من كلام عليٍّ (ع)، والمؤيِّد لذلك مضافاً إلى أنَّ الأكثر ممَّا نُقل عن عليٍّ (ع) هو أنَّه أفاد بأنَّه لو شاء لأمسك أو نال أو مسَّ السماء بيده، المؤيِّد لذلك أنَّ عليَّاً (ع) كان في مقام الاعتزاز بما وقع له عند صعوده على منكبي الرسول (ص) وكان في مقام التعبير عن خصوصيَّةٍ وفضيلةٍ للرسول (ص) في هذا الموقف، ومن الواضح أنَّ مجرَّد التخيُّل لا يُناسب هذين الغرضين، إذْ لا فخر في أنْ يتخيَّل الإنسان القدرة على تناول السماء، فإنَّ ذلك مُتاح لكلِّ أحد، وهو يقع كثيراً للشعراء والصغار وذوي النفوس المضطربة، ثم إنَّه أيُّ خصوصيَّةٍ للرسول (ص) في أن يتخيَّل عليٌّ (ع) نيل السماء حين صعد على منكبه، فالتخيَّل بمثل ذلك يُمكن تحقُّقه بصعود جبلٍ أو تلعة، بل قد يتحقَّق التخيُّل بذلك حتى دون صعود شيءٍ مرتفع.

ثم إنَّ هنا مؤيِّداً آخر وهو أنَّ رواية أبي هريرة عن جابر بألسنتها المختلفة أفادت أنَّ عليَّاً (ع) صدَّر كلامه -في مقام الحديث عمَّا وقع له- بالقسم وقال: فو الذي فلَقَ الحبَّة وبرأ النسمة .." والمناسب بعد هذا القسم أنْ يكون المُقسَم له أمراً عظيماً ومستبَعداً كما أنَّ من المستهجَن عند العقلاء وأهل المحاورة أنْ يكون القسم بهذا التغليظ ثم يكون المُقسَم له أمراً من قبيل التخيُّل والذي هو ميسورٌ لكلِّ أحد.

فالمتعيَّن أنَّ علياً (ع) بصعوده على منكبي الرسول الكريم (ص) قد تمكَّن واقعاً من أنْ يتناول السماء بيده، وتلك كرامةٌ لرسول الله (ص) أولاً ولوصيٍّه عليٍّ (ع) ثانياً.

وأمَّا كيف يُتاح نيل السماء بذلك فجوابه أنَّ الرسول (ص) قد عُرجَ بجسده إلى أقصى السماء، وتجاوز سدرةَ المنتهى، وبلغ قاب قوسين أو أدنى، وثمة من الأنبياء من استوطنَ السماء ولم يكن ذلك كلُّه بوسائلَ نُدرك حقيقتها أو طبيعة العلاقة بينها وبين الأثر الذي ترتَّب ظاهراً عنها.

والحمد لله رب العالمين

 الشيخ محمد صنقور


1- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 38 / ص77، المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج3 / ص5.

2- نهج الإيمان -ابن جبر- ص609.

3- مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج1 / ص398.

4- سورة الإسراء / 81.

5- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج1 / ص453.

6- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج38 / ص86.

7- السيرة الحلبية -الحلبي- ج3 / ص29.