الإستحسان

المتبادر بدْواً من معنى الإستحسان هو اعمال الذوق ومقتضيات الطبع في مقام التعرُّف على الحكم الشرعي، فمتى ما وجد المجتهد انَّ هذا الفعل ملائماً لما يقتضيه الطبع فهذا يكشف عن ان حكم هذا الفعل الواقعي هو الإباحة، وبخلافه مالو كان الفعل مستبشعاً تمجُّه الطباع وتشمئز له النفوس ويتنافى مع الذوق فهذا يعبِّر عن انَّ حكمه الواقعي هو الحرمة لو كانت مرتبة الإشمئزاز والإستقذار شديدة جداً، أما لو كانت مرتبة الاستقذار والإستبشاع بمستوىً أدنى من الحالة السابقة فإنَّ هذا يكشف عن ان حكم هذا الفعل عند الله تعالى هو الكراهة.

وهذا المعنى للإستحسان يمكن ان يُستفاد من كلام الشافعي -والذي لا يرى حجية الإستحسان- حيث قال في مقام الرد على دعوى حجية الإستحسان: (أفرأيت اذا قال المفتي في النازلة ليس فيها نص خبر ولا قياس وقال استحسن، فلابدَّ ان يزعم انّ جائزاً لغيره، ان يستحسن خلافه فيقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن، فيقال في الشيء الواحد بضروب من الحكم والفتيا، فإن كان هذا جائزاً عندهم فقد أهلموا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا وان كان ضيقاً فلا يجوز ان يدخلوا فيه).

فإنَّ هذا النص كما تلاحظون صريح في انَّ الشافعي يفهم من الإستحسان المعنى الذي ذكرناه، وذلك لأنَّ ملاحظته في مرتبة متأخرة عن فقدان النص يُعبِّر عن انَّ الاستحسان ليس بمعنى تقديم أقوى النصين ظهوراً أو سنداً -كما ذكر البعض- وملاحظته مترتباً على القياس يُعبِّر عن ان الإستحسان ليس بمعنى العدول عن قياس إلى قياس أقوى -كما ذكر البعض- كما يُعبِّر عن انَّ الإستحسان لا يدخل تحت أيِّ وجه من وجوه القياس المذكورة، ومن هنا يتمحض معنى الإستحسان -بحسب فهم الشافعي- في مجموعة من المحتملات.

منها: انَّ مراد الشافعي من الإستحسان هو المصالح المرسلة، وهذا الاحتمال غير مراد جزماً، وذلك لانَّ المصالح المرسلة تخضع لضوابط عقليَّة أو عقلائية أو شرعية كما سيتضح ذلك في الحديث عن المصالح المرسلة، فلو كان مراده ذلك لكان إشكاله -وهو انَّه يلزم من القول بحجية الإستحسان (ان يقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن)- غير وارد، إذ انَّ الضوابط العقلية والعقلائية وكذلك الشرعية مطردة والإختلاف انما هو في موارد تطبيقها وهذا حاصل حتى في الكتاب والسنة وكذلك القياس، وهذا ما يُعبِّر عن انَّ الشافعي لا يقصد بالإستحسان المصالح المرسلة.

وبما ذكرناه يتضح عدم إرادته للحسن والقبح العقليين أو العقلائيين، وكذلك يتَّضح عدم إرادته من الإستحسان ما يعبَّر عنه بحجية العرف.

وبسقوط تمام المحتملات يتعيَّن كون المراد من معنى الإستحسان هو ما ذكرناه، إذ هو الذي يرد عليه إشكال الشافعي، فالذوق وما يلائم الطبع وكذلك الإشمئزاز والإستقذار والإستبشاع كلها حالات نفسانية تخضع لعوامل تربوية أو اجتماعية أو ثقافية، وهي تختلف من بلد لآخر ومن بيئة لاخرى، بل قد يتفاوت المجتمع الواحد في ذلك فتجد انَّ طبقة معينة أو شريحة خاصة تنفر من بعض الأطعمة وتستقذرها والحال انَّ نفس هذه الأطعمة تستهوي طبقة اخرى من المجتمع أولاْ أقل لا تكون مستقذرة عندهم، كما نلاحظ ان بعض المجتمعات تمارس بعض الأعمال وترى انها ملائمة للذوق والتحضُّر، ونجد مجتمعات اخرى تستبشع هذه الأعمال وترى انها من التخلُّف والتسافل إلى مستوى الحيوان، وما ذلك إلاّ لاختلاف التربية والثقافة.

ثم انَّ المجتمع الواحد قد يمرُّ بأطوار وظروف تتغيَّر معها طبائعه ومذاقاته. وبهذا اتضح انَّ ما يفهمه الشافعي من معنى الاستحسان هو ماذكرناه.

ويمكن تأكيد هذا الفهم ببعض التعريفات المذكورة للإستحسان فقد نقل صاحب محاضرات في اسباب اختلاف الفقهاء عن المبسوط -كما ذكر ذلك السيد الحكيم- انَّ الاستحسان (هو الأخذ بالسماحة وانتفاء مافيه الراحة).

وكذلك نقل عن ابن قدامة انَّ الاستحسان (دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على التعبير عنه).

والتعريف الاول يُعبِّر عن الحكم بمناط الإستحسان لابدَّ وان يكون متناسباً مع السماحة والسهولة، فلو كان فعل من الأفعال متناسباً مع انس النفس ومتناغماً مع مذاقها وموجباً لراحتها واستجمامها فهذا يقتضي الحكم بإباحته بل وباستحبابه، لأنَّه هو مقتضى الأخذ بالسماحة وانتفاء مافيه الراحة، فلو حكمنا بحرمته لأخذنا بما فيه التعب وأوردنا المكلَّف موارد النصب وهو ما ينافي مآرب النفس في الطرب.

وأما التعريف الثاني فنتساءل ماهو الدليل الذي ينقدح في نفس المجتهد ويتعذَّر عليه التعبير عنه، فحتماً ليس هو من قبيل النصوص الشرعية ولا هو من قبيل البراهين العقلية ولا هو قياس من الأقيسة وإلاّ لأجاد التعبير عنه، ولو كان من قبيل المصالح المرسلة أو سدِّ الذرايع أو ما إلى ذلك فما هو الموجب لانتفاء القدرة على التعبير عنه، نعم لو كان الذوق هو الدليل فإنَّ من الصعب التعبير عنه إلاّ ان يكون المجتهد شاعراً.

المعنى الثاني للإستحسان: هو (ما يستحسنه المجتهد بعقله)، وهذا التعريف منقول عن ابن قدامة، وهو يحتمل معان ثلاثة:

الإحتمال الاول: انَّ مراده من الإستحسان العقلي هو خصوص مدركات العقل القطعية الأعم من مدركات العقل العملي -كإدراك العقل لحسن العدل وقبح الظلم- ومدركات العقل النظري كإدراكه للملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته أو انَّ مراده مختص بالاول.

الإحتمال الثاني: انّ مراده من الإستحسان العقلي هو مطلق ما يستحسنه العقل الأعم من العقل النظري والعملي والقطعي والظني.

والظاهر من التعريف انَّ المتعين هو الإحتمال الثاني، وذلك لعدم وجود ما يُوجب اختصاصه بالاول، ومن هنا يكون الإستحسان شاملا للقياس والاستقراء وسدِّ الذرايع، لانها جميعاً من صغريات ما يستحسنه العقل الاعم من القطعي والظني، وعليه فليس الإستحسان -بناء على هذا المعنى- دليلا مستقلا في مقابل الدليل العقلي، وذلك حتى بناء على الاحتمال الاول، وهذا ما يُعبِّر عن وجود خلل في التعريف.

المعنى الثالث: انَّ الإستحسان هو (العدول بحكم مسألة عن نظائرها لدليل خاص من كتاب أو سنة). وهذا التعريف نقله ابن قدامة أيضاً.

واحتمالات المراد من هذا التعريف ثلاثة:

الاول: انَّ الإستحسان يعني تقديم الدليل المخصص من الكتاب والسنة على عمومات الكتاب واطلاقاته وكذلك عمومات السنة واطلاقاتها. مثلا قوله تعالى ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾(1)، فالاية الكريمة تدلُّ باطلاقها على حلِّية أكل طعام البحر، فلو ورد دليل من السنة مفاده (حرمة أكل ما لا فلس له) فإنَّ هذا الدليل يكون مقدماً بالإستحسان أي بقاعدة حمل المطلق على المقيد والعام على الخاص.

الثاني: انَّ المراد من الإستحسان هو تقديم الآيات والروايات -في مقام التعرُّف على الحكم الشرعي- على سائر الأدلة الاُخرى سواء كان من قبيل الإجماع أو العقل أو القياس أو ما إلى ذلك فكل ما سوى الكتاب والسنة يكون في مرحلة متأخرة عنهما في مقام المرجعية، أي لا يُلجأ إلى غير الكتاب والسنة في موارد اشتمالهما أو أحدهما على حكم المسألة المبحوث عنها.

الثالث: انَّ الاستحسان يعني الخروج عمَّا يقتضيه القياس بسبب وجود دليل خاص من الكتاب والسنة، بمعنى انَّه في فرض التعارض بين ما يدلُّ عليه الكتاب والسنة وبين ما يقتضيه القياس فإنَّ الإستحسان يقتضي تقديم ما يدلُّ عليه الكتاب والسنة.

والظاهر إرادة هذا المعنى من التعريف بقرينة قوله (العدول بحكم مسألة عن نظائرها)، فإنَّ هذا التعبير يناسب القياس والذي يعني إسراء حكم من مسألة إلى نظائرها من المسائل، فلو كانت احدى هذه المسائل مما قام الدليل الخاص من الكتاب والسنة على انَّ حكمها مناف لحكم نظائرها من المسائل فإنَّ مقتضى الإستحسان هو تقديم الدليل الخاص من الكتاب والسنة.

والذي يؤكد ماذكرناه انَّ التعبير بالعدول لا يُناسب التخصيص -والذي هو الاحتمال الاول- إذ انَّ العدول يستبطن وجود قاعدة كلية متبناة تقتضي حكماً معيناً إلاّ انَّ ثمة شيئاً أوجب العدول عن هذه القاعدة، والتخصيص ليس من هذا القبيل، وذلك لأنَّ المخصص لو كان متصلا فإنَّ حكم المسألة المستفاد من المخصِّص ثابت بنفس الخطاب المفيد للعموم، فليس من قاعدة تقتضي حكماً مغايراً وتكون المسألة الخارجة بالتخصيص مشمولة له أولا ثم تخرج بواسطة الدليل الخاص حتى يصدق العدول، إذ انَّ العموم من أول الأمر لا يشمل المسألة الخارجة بالمخصص المتصل، وأمَّا لو كان المخصِّص منفصلا فكذلك لا يكون التعبير بالعدول دقيقاً لو كان المراد منه التخصيص، إذ ان التعويل على الاطلاق أو العموم قبل الفحص عن المخصِّص أو المقيِّد غير صحيح، وذلك للعلم الإجمالي بوجودات مخصِّصات ومقيّدات منفصلة في الخطابات الشرعية، فمع الفحص والعثور على المخصِّص المنفصل لا يكون العمل بمقتضى المخصص أو المقيد عدولا عن العموم والاطلاق، وذلك لانّ الاطلاق وكذلك العموم لم يكونا مرادين بالإرادة الجدية من أول الأمر بل المراد الجدِّي منهما هو غير ما يقتضيه المخصِّص المنفصل.

وبهذا يتنقح ان لا قاعدة كلية مبتبناة تم العدول عنها في موارد التخصيص بل انَّ المخصِّص يثبت في عرض العموم والاطلاق وانما قد يتفق العثور على العموم قبل العثور على المخصّص وقد ينعكس الأمر فنعثر على المخصّص قبل العثور على العموم أو الاطلاق وحينئذ فما معنى التعبير بالعدول.

وأما الاحتمال الثالث فيناسبه التعبير بالعدول، وذلك لأنَّ القياس ضابطة عقلية كلية محددة المعالم لا يقال في موردها انَّ بعض مواردها خارج من أول الأمر بل انَّ كل ما يخرج عنها يكون عدولا عن مقتضاها إلى شيء آخر.

هذا ما يناسب سقوط الإحتمال الاول، وأما الإحتمال الثاني فهو أبعد من الإحتمال الأول، وذلك لأنَّ الإستحسان فيه بمعنى تقديم الكتاب والسنة على سائر الادلة، ولا نجد مناسبة للتعبير بالعدول لو كان هذا المعنى هو المراد، إذ انَّ هذا المعنى لا يعني أكثر من بيان الترتيب المرحلي للأدلة في مقام المرجعية والإستنباط للأحكام الشرعية.

والمتحصَّل انَّ حمل التعريف على الدقة يقتضي كون المراد منه ما ذكرناه وهو الخروج عن القاعدة الكليَّة المستلهمة بواسطة القياس في موارد وجود الدليل الخاص من الكتاب والسنة، وهذا ما تؤكده مقتضيات القياس، إذ ان القياس العقلي لا يفرق بين مسألة واخرى بل يُعطي ضابطة كلية لنظائر المسألة المقيس عليها إلاّ انَّ المجتهد يعدل عمَّا يقتضيه القياس بسبب وجود الدليل الخاص من الكتاب والسنة.

والذي يُعزِّز ما استظهرناه من التعريف ما نقل عن البزودي -وهو من الاحناف- قال: ان الإستحسان هو (العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى أو هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه).

والمناسب لما ذكرناه هو قوله (أو هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه) حيث اعتبر المعدول عنه هو القياس وليس هو دليل آخر كعمومات الكتاب والسنة.

ثم انَّ هذا التعريف أوسع دائرة من التعريف السابق حيث جعل الموجب للعدول عن القياس مطلق الدليل الأقوى، فلو اعتبرنا انَّ الإجماع وكذلك المصالح المرسلة أقوى دليليَّة من القياس كان ذلك موجباً للعدول عما يقتضيه القياس، وكذلك لو كان هناك قياس أقوى دليليَّة من قياس آخر فلابدَّ من العدول عن القياس المرجوح بمقتضى الإستحسان، إلاّ انَّ هذا التعريف لم يُشر إلى ماهي الضابطة لتشخيص اقوائية أحد القياسين على الآخر، والمحتمل في ضابطة الأقوائية أحد امور:

الأمر الاول: مناسبة القياس الأقوى للمصلحة.

ولو كانت هذه هي الضابطة لما صحَّ عدُّ الإستحسان دليلا برأسه، فهو حينئذ يرجع إلى المصالح المرسلة فهي المائز -بناء على هذا الاحتمال- بين القياس الأقوى من القياس الأضعف، وهذا ما يُوجب استبعاد هذا الإحتمال، إذ انَّ الظاهر منهم هو اعتبار الإستحسان دليلا مستقلا في عرض الأدلة الاخرى.

الأمر الثاني: مناسبته لسدِّ الذرايع أو العرف وهذا الإحتمال أيضاً ساقط لعين ماذكرناه في الأمر الاول.

الأمر الثالث: انَّ الضابطة في أقوائية قياس على آخر هو الذوق وملائمات الطبع، وهذا الإحتمال هو المتعين، إذ لا يرد عليه الإشكال الوارد على الاحتمال الاول والثاني، كما لا يتصوَّر ان تكون ضابطة الاقوائية هو موافقة القياس الأقوى للكتاب والسنة والإجماع، إذ انَّ ظاهر التعريف هو انَّ الدليل على حكم المسألة هو أحد القياسين لا غير، إلاّ انَّه لمَّا كان أحد القياسين منافياً لما يقتضيه الآخر كان ذلك مستوجباً للبحث عن الأقوى منهما.

هذا بالاضافة إلى انَّ الثالث من الامور المحتملة متناسب مع مجموعة من التعريفات المذكورة للإستحسان كما بينا ذلك.

المعنى الرابع: ما نُقل عن الشاطبي من المالكية انَّ الإستحسان هو (العمل بأقوى الدليلين).

ولم نتبين المراد من هذا التعريف، فهل المراد منه هو إعمال الإستحسان لتشخيص ماهو الدليل الأقوى أو انَّ المراد من الإستحسان هو نفس الأخذ بالدليل الأقوى والأقوائية تثبت بواسطة اخرى غير الإستحسان، فنفس الأخذ بما يقتضيه الكتاب الكريم وطرح ما يقتضيه الخبر الواحد المنافي هو الإستحسان، أو انَّ الإستحسان معناه هذه القاعدة الكليَّة وهي كلما تعارض دليلان فالحجيَّة تكون في طرف الأقوى منهما، وهذا المعنى أيضاً لا يشخِّص لنا ضابطة الأقوائية.

فبناءً على الإحتمال الثاني لا يكون الإستحسان من الأدلة على الحكم الشرعي وانما يكون مجرَّد اصطلاح يُطلق على هذه الحالة التي يعمل فيها المجتهد بالدليل الأقوى.

وأما الإحتمال الثالث: فهو خلاف ظاهر التعريف، إذ انَّ هذه القاعدة لا تعدو إما ان تكون قاعدة عقلية منشاؤها إدراك العقل لاستحالة ترجيح المرجوح واستحالة التخيير بين المرجوح والراجح، وإمّا انَّها قاعدة مستفادة من الشرع أو من دليل آخر، وإطلاق عنوان الإستحسان عليها مجرَّد اصطلاح وهو ينافي دعوى دليليته على الحكم الشرعي، ولو سلمنا استفادتها من الإستحسان فهذا لا يقتضي أكثر من كونها من موارد ما يكشف عنه الإستحسان لا أنها هي الإستحسان نفسه، وحينئذ لا يصلح تعريف الإستحسان بها فلابدَّ من الْتماس تعريف للإستحسان لو كان هذا الإحتمال هو المتعيَّن، وهذا ما يؤكد سقوط هذا الإحتمال، على انَّه لا معنى محصَّل من هذا الإحتمال، وذلك لأن الظاهر من التعريف انَّ المجتهد إنَّما يلجأ للإستحسان في حالة تعارض الأدلة مع إحراز دليلية كل واحد منهما على الحكم الشرعي لولا التعارض، وحينئذ لا معنى لأن يُقال خذ بما هو الأقوى منهما، لان ذلك لا يعالج المشكلة، فهو أشبه بما لو سألك سائل عن أي الطرقين أسلك وكان غرضه التعرُّف على الطريق الاقرب فتجيبه بقولك (اسلك أقرب الطريقين) فهنا لا يكون السائل قد تحصَّل على الجواب الناجع، لأنَّه انَّما يسأل عن الطريق الأقرب.

نعم لو كان يعلم بالطريق الأقرب إلاّ انَّه لا يعلم أهو ملْزَم بسلوك الطريق الاقرب أو هو مخير مثلا فإنَّ الجواب بالقول (اسلك الطريق الأقرب) يكون ناجعاً، إلاّ انَّ ذلك خلاف الظاهر من مرجعية الإستحسان في ظرف التعارض، لأن الظاهر انَّه لا يُلجأ للإستحسان للتعرُّف على هذه القاعدة فحسب بل يُلجأ اليه لتشخيص الدليل الأقوى من الدليل الأضعف.

ومن هنا يكون المتعيَّن من الإحتمالات هو الإحتمال الأول، وبهذا يكون تعريف الإستحسان -بناء على هذا الإحتمال- هو المشخِّص للدليل الأقوى الذي يلزم العمل به، فيكون التعريف من قبيل التعريف بالفائدة والنتيجة، فهذا وان كان خلاف الظاهر من التعريفات إلاّ انَّ ذلك مألوف في التعريفات التي يكون الغرض منها إعطاء صورة عن المعرَّف كما يقال في تعريف الخمر انَّه المسكر، فهو تعريف بما ينتج عنه.

والمتحصَّل انَّ هذا الإحتمال وان كان خلاف الظاهر من التعريف إلاّ انَّه لمّا كان الإحتمال الثاني -والذي هو أقرب بحسب الصياغة اللفظية للتعريف- بعيد جداً كما ذكرنا والإحتمال الثالث ساقط لابتلائه بما ذكرناه من إشكال فيدور التعريف بين الإجمال وعدم انفهام معنى محصل له وبين الإحتمال الأول، والظاهر تعيُّنه لمناسبته مع تعريفات اخرى ومناسبته كذلك مع مرجعية الإستحسان في مقام التعارض.

ومع تمامية هذا الإحتمال يبقى السؤال عن الآليَّة المعتمدة للإستحسان لتشخيص الدليل الأقوى والتي هي جوهر الإستحسان، حيث قلنا انَّ هذا التعريف -بناء على الإحتمال الاول- لا يكشف لنا سوى عن النتيجة المترتبة على الإستحسان، وهي تشخيص الدليل الأقوى وأما الآلية المعتمدة لذلك فلابدَّ من استفادتها من مورد آخر.

وهنا مجموعة من الإحتمالات نوردها لغرض البحث عمَّا هو المتعيَّن منها:

الاحتمال الاول: إنَّ الآلية المعتمدة لتشخيص الدليل الأقوى هو الكتاب المجيد أو السنة أو العقل القطعي والظني أو مناسبة أحد الدليلين لما تقتضيه المصلحة العامة أو مناسبة أحدهما للمرتكزات العرفية أو تناسب أحدهما لسدِّ الذرايع المفضية للحرام فهو حينئذ يكون الاقوى أو تناسب أحدهما لفتح الذرايع المفضية للواجب فهو الاقوى من الدليل الفاقد لهذه الخصوصية.

الاحتمال الثاني: ملائمة أحد الدليلين للطبع أو منافاة أحدهما للمذاقات العامة فيكون ما يقابله هو الأقوى.

الاحتمال الثالث: هو مجموع هذه المرجحات.

أمَّا الترجيح بالكتاب أو بالسنة أو بالعقل أو بالمصلحة أو بسدِّ الذرايع أو فتحها أو بالمرتكزات العرفية فمن غير المناسب أن يُطلق عليها الترجيح بالإستحسان بل المناسب ان يقال ترجيح أحد الدليلين بالكتاب أو بالعقل وهكذا.

وما قد يقال انَّه مجرَّد اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح.

نقول انَّ هذا الكلام صحيح إلاّ اننا لا نُحرز انَّ ترجيح أحد الدليلين بالكتاب مثلا يُصطلح عليه بالاستحسان حتى نقول لا مشاحة في الاصطلاح وانما نبحث عن ان مصطلح الاستحسان على أيِّ شيء يطلق، وحينئذ لابدَّ من ملاحظة الإعتبارات والمناسبات بين المصطلح والمصطلح عليه، ومن الواضح عدم التناسب بين ترجيح أحد الدليلين بالكتاب المجيد وبين مصطلح الإستحسان.

وأما الاحتمال الثالث فيضعفه ما نجده في كلمات القوم من عدم انحصار الترجيح وتشخيص الاقوى بالإستحسان، فلو كان الاحتمال الثالث هو المتعين لكان جامعاً لتمام المرجحات وهذا ما لا يمكن قبوله لملاحظة انَّ الاستحسان في كلماتهم يكون في عرض مرجحات اخرى وفي حالات يكون في طولها مما يُعبِّر عن انَّ الإحتمال الثالث ليس هو المقصود.

ومن هنا يتعين الإحتمال الثاني، إذ هو الذي لا يرد على الإشكال الوارد على الإحتمال الاول كما لا يرد عليه الإشكال الوارد على الإحتمال الثالث، فمن المناسب جداً ان يُقال حين ترجيح أحد الدليلين بما يُلائم الطبع والمذاقات العامة من المناسب انَّ يقال انَّ الترجيح تم بالإستحسان، على انَّ هذا الإحتمال هو المناسب لبعض التعريفات المذكورة للإستحسان.

ثم انَّه لو افترضنا جدلا ان الإحتمال الثالث هو المتعيِّن لكان علينا ان نمارس عملية الاستذواق لغرض تشخيص الدليل الاقوى ولو في الحالات التي لا يكون معها مرجح آخر، كما لو تعارض خبران ولم يكن ثمة مرجح من المرجحات الاخرى فإنَّ علينا ان نلاحظ ماهو الدليل المناسب لمقتضيات الذوق وملائمات الطبع، وهذا هو المستفاد مما ذكره السرخسي في مبسوطه، حيث ذكر ان من تعريفات الإستحسان هو (طلب السهولة في الاحكام مما يبتلي به الخاص والعام) وكذلك ما نقله عن بعض من انَّ الإستحسان هو (الأخذ بالسماحة وانتفاء مافيه الراحة) (والأخذ بالسعة وابتغاء الدعة)، فإنَّ هذه التعريفات تعبِّر عن انَّه يحوم في حمى الإحتمال الذي رجَّحناه أو يكون الإستحسان متضمناً للمعنى الذي ذكرناه.

وأما احتمال ان تكون الآلية لتشخيص الدليل الأقوى هو مجموع المرجحات باستثناء ما ذكرناه في الاحتمال الثاني فهو وان كان معقولا إلاّ انَّه يتنافى -كما ذكرنا- مع عدِّ الإستحسان مرجحاً في عرض المرجحات الاخرى وفي حالات يكون في طولها مما يؤكد عدم إرادة هذا الإحتمال.

المعنى الخامس: وهو ما نُقل عن المالكيَّة من انَّ الإستحسان هو (الإلتفات إلى المصلحة والعدل).

وهنا لم يُحدِّد لنا التعريف متى يلجأ المجتهد للإلتفات إلى المصلحة والعدل، وهل انَّ الالتفات لذلك يكون في ظرف التعارض بين الأدلة، فيكون الإستحسان من وسائل علاج التعارض أو ان الإلتفات يكون ابتدائياً، بمعنى انَّه يكون وسيلة للكشف عن الحكم الشرعي فيكون في عرض الأدلة الاخرى، أو انَّ الإلتفات يكون لغرض محاكمة الأدلة الشرعية والعقلية وغيرها فما كان منها مناسباً للمصلحة والعدل فهي صالحة للدليلية، أما مع منافاتها للمصلحة والعدل فهي لا تصلح للدليلية والكاشفية عن الحكم الشرعي فتكون للإستحسان فوقية على سائر الأدلة، إذ هو المشخص -بناء على هذا الإحتمال- للحجَّة منها من غير الحجة حتى في ظرف عدم التعارض.

على انَّ التعريف لم يُشخِّص لنا مرتبة المصلحة الموجبة للترجيح لو كان الإحتمال الاول هو المراد، كما انَّه لم يُبيِّن لنا مقدار المصلحة المؤثرة في الكشف عن الحكم الشرعي لو كان الإحتمال الثاني هو المقصود، كما انَّه لم يُوقفنا على ماهية وحدود المصلحة الموجبة لثبوت الحجية لبعض الأدلة وانتفائها عن أدلة اخرى لو كان الإحتمال الثالث هو المراد.

ومن هنا لا ندري ماهو العلاج في حالة تعارض المصلحتين أو تزاحمهما وبأيِّ وسيلة يتوسَّل المجتهد لترجيح احدى المصلحتين، ثم ماذا لو تعارض أو تزاحم العدل مع المصلحة بأن كان أحد الدليلين مناسباً للمصلحة وكان الآخر مناسباً لمقتضيات العدل أو كان أحد الفعلين مناسباً للمصلحة والآخر للعدل ولم يكن ثمة مرجح من المرجحات الاُخرى.

مثلا لو كان هناك رجل يحرق في كل ليلة بيتاً من بيوتات البلدة وكان قطع مادة الفساد الذي يُحدثه هذا الرجل يتوقف على حبس مجموعة من الرجال وتعذيبهم لغرض التعرُّف على الجاني منهم ولم يكن ثمة وسيلة اخرى لقطع مادة الفساد.

فهنا يكون حبس هؤلاء الرجال وتعذيبهم متناسباً مع المصلحة العامة إلاّ انَّه مناف للعدل، إذ لا إشكال انّ حبس غير الجاني وتعذيبه من الظلم، فهذه الحالة لا يجيب عليها التعريف المذكور أيضاً.

على انَّه يمكن الإيراد على التعريف بأن الإستحسان لا يكون -بناء عليه- دليلا مستقلا بل هو راجع إلى المصالح المرسلة والى ما يُدركه العقل من حسن العدل وقبح الظلم، وحينئذ لا يكون الإستحسان إلاّ تكثيراً للمصطلحات بلا مغزى، وهذا يتنافى مع الصناعة العلمية، هذا بالإضافة إلى انَّ الظاهر من كلمات الاُصوليين وفقهاء القوم انَّ الإستحسان دليل مستقل في عرض الأدلة كالمصالح المرسلة والدليل العقلي وليس هو مصطلح ثان للمصالح المرسلة والدليل العقلي. ومن هنا يكون التشكيك في دقة هذا التعريف كبيراً جداً.

هذا تمام الكلام في معنى الإستحسان، ولا بأس ببيان الأدلة التي استدلَّ بها على حجية الإستحسان.

ذكر السيد الحكيم في كتابه الاصول العامة انَّه استدلَّ على ذلك بآيتين من الكتاب المجيد وبرواية من السنة الشريفة وبالإجماع، ونحن نعرض لهذه الأدلة تباعاً.

الدليل الاول: قوله تعالى ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾(2).

وتقريب الإستدلال بهذه الآية الكريمة لصالح القول بحجية الإستحسان، انَّ الله تعالى امتدح عباده اللذين يتبعون أحسن القول، وهذا ما يُعبِّر عن حجية الإستحسان وإلاّ لما امتدح الله تعالى عباده المتصفين بالعمل بالإستحسان.

وقبل الجواب عن الإستدلال بالآية الشريفة نقول: انَّ المراد من عنوان الأحسن يحتمل ثلاثة احتمالات:

الإحتمال الأول: انَّه عنوان اضافي نسبي، وحينئذ يكون معنى الآية هو حجية كل قول أو رأي إذا اُضيف ونُسب إلى رأي آخر كان أحسن منه بقطع النظر عن كون القولين واجدين للحجيَّة في نفسيهما أو لا، فمحض الأحسنية هي المناط في ثبوت الحجية للقول المتصف بها.

وواضح انَّ هذا الإحتمال غير مراد جزماً، إذ من غير المعقول ان يكون القول أو الرأي غير واجد للحجية وبمجرَّد ان يُضاف إلى رأي آخر ويتفوق عليه نسبياً يكون ذلك موجباً لاتصافه بالحجيَّة، فالرأي حينما يكون منافياً لنظر الشارع لا يكون رجحانه على رأي آخر مناف أيضاً للشارع موجباً لثبوت الحجيَّة للرأي الراجح وإلاّ لما صحَّ ان تكون للشارع متبنيات خاصة تثبت بموجبها حجية بعض الأقوال وعدم حجية أقوال اخرى، إذ انَّ الاقوال التي لم تثبت لها الحجيَّة متفاضلة بلا ريب، وحينئذ يكون الافضل منها حجة يلزم التعبُّد به وهذا خلاف بناء الشارع على عدم حجيتها، هذا لو كان المراد من الأحسنية هو الأحسنية الواقعية وإلا لو كان المراد من الأحسنية هو الأحسنية بنظر كل أحدد للزم الهرج والمرج، إذ انَّ الأحسنية بهذا المعنى تخضع لعوامل نفسية وملاحظة المصالح الشخصية وهي متفاوتة من شخص لآخر ومتزاحمة في غالب الأحيان، وعندئذ يجرُّ كل واحد النار إلى قرصه، وتكون لغة الغاب هي المحكمة في المجتمعات وبها يختلُّ النظام، وهذا ما يورث الجزم بعدم إرادة الآية الشريفة لهذا المعنى.

الإحتمال الثاني: انَّ المراد من عنوان الأحسنية هي الأحسنية الواقعية في إطار الأقوال الواجدة للحجية في نفسها وبقطع النظر عن تفاضلها، وحينئذ يكون المراد أحد احتمالات ثلاثة:

الاول: ان يكون كل واحد من القولين واجداً للحجية في حدِّ نفسه مالم يتعارضا أو يتزاحما واذا تعارضا أو تزاحما فإنَّ الحجية تسقط عن القول المفضول وتبقى الحجية للقول الأحسن. فما يقتضيه القياس مثلا حجة في حدِّ نفسه وكذلك ما يقتضيه النص القرآني إلاّ انَّه حينما يتعارضان أو يتزاحمان فإنَّ الحجيَّة تسقط عن المفضول منهما وهو ما يقتضيه القياس.

الثاني: ان يكون كل واحد من القولين واجداً للحجيَّة ولا يكون التفاضل بينهما موجباً لسقوط المفضول حتى في ظرف التعارض أو التزاحم نعم الارجح هو الأخذ بالقول الفاضل.

الثالث: ان تكون الآية بصدد بيان راجحية اختيار القول الفاضل وليست متصدية لحالات التعارض أو التزاحم.

والإحتمال الراجح من هذه الإحتمالات هو الأول وذلك بقرينة ذيل الآية اللشريفة ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾(3) هذا لو كنا نبني على حجية مفهوم الوصف فيكون المتبع للأحسن هو الذي هداه الله عزّ وجلّ، وبمفهوم الوصف يكون غيره من أهل الضلال، إلاّ أنَّ المعروف بين الاعلام هو عدم حجية مفهوم الوصف، وعليه لا يكون الإتصاف بالهداية لمتَّبع الأحسن ملازماً لانتفائها عن غير المتَّبع للأحسن خصوصاً مع ملاحظة المعطوف على وصف الهداية وهي قوله ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ﴾ أي أولوا العقول الراجحة، فإنَّ هذا الوصف يُشعر بأن الأخذ بالأحسن من صفات الكمال وليس هو الفيصل بين الحق والباطل والهداية والضلال، فالهداية والتعقُّل من المفاهيم المشككة، فمن الناس من يأخذ منهما بحظ وافر فهذا هو الأهدى والأعقل، ومنهم من يكون حظه منهما أقل وهذا لا يقتضي انسلاب صفة الهداية والتعقل عنه.

ومن هنا لا يمكن استظهار المعنى الاول، ولا يبعد ان يكون المعنى الثالث هو المتعين من هذا الإحتمال، وذلك لأنَّه بعد عدم دلالة الجملة الوصفية على المفهوم لا يكون ثمة مبرِّر لاستظهار تصدِّي الآية الشريفة لعلاج حالات التعارض والتزاحم، إذ المبرِّر لاستظهار تصدِّي الآية لذلك هو مفهوم الوصف، إذ به يثبت انَّ متّبع غير الأحسن لا يكون مهديّاً وهذا معناه سقوط الحجية عن القول غير الأحسن وذلك يقتضي انَّ الآية متصدية لعلاج حالات التعارض والتزاحم، إذ لا معنى لسقوط أحد القولين عن الحجية بمجرَّد أنَّ أحدهما أحسن من الآخر إذا لم يكونا متعارضين أو متزاحمين، وعليه وبعد عدم حجية مفهوم الوصف تكون الآية بصدد بيان راجحية اختيار القول الأحسن من القولين الواجدين للحجيَّة وليست متصدِّية لعلاج حالات التعارض والتزاحم أصلا، لا أقل انَّ هذا المعنى محتمل جداً وليس المعنى الاول مترجح عليه فتكون الآية الشريفة مجملة من هذه الجهة.

على انَّه لو كان المعنى الاول من هذا الإحتمال هو المتعيّن لما كانت الآية الشريفة صالحة للإستدلال بها على حجية الإستحسان، وذلك لأن المعنى الاول لا يقتضي أكثر من حجيَّة القول الاحسن وسقوط الحجية عن غير الاحسن اما كيف نشخِّص الأحسن من القولين فهذا مالم تتصدَ الآية الشريفة لبيانه.

فالتعريف الاول والثاني والثالث والخامس كلها متصدية لتشخيص الأحسن من الأقوال والبحث إنما هو عن ثبوت الحجية لهذه المشخصات ولا يمكن إثبات حجية ذلك بالكبرى الكلية المستفادة من الآية الشريفة، إذ من الواضح ان القضايا لا تنقح موضوعاتها، فحينما يقول المولى أكرم العلماء فإنه ليس متصدياً لإثبات انَّ زيداً عالماً وان بكراً عالماً، وهنا أيضاً حينما يقول (الأحسن هو الحجة) لا يكون ذلك موجباً لإثبات انَّ الأحسن هو المستفاد بواسطة الذوق وملائمات الطبع أو العقل أو المصلحة أو ما إلى ذلك، نعم لو ثبت من خارج الآية الشريفة انَّ الأحسن يتشخص بواسطة الذوق أو المصلحة أو العقل فإنَّه يمكن التمسُّك بالآية الشريفة لإثبات الحجية لهذه الصغريات، إذن فلابدَّ من إلتماس دليل آخر على حجية الإستحسان في إثبات ماهو أحسن.

نعم يبقى الكلام في التعريف الرابع وهو انَّ الإستحسان يعني (العمل بأقوى الدليلين)، وقد احتملنا للمراد منه ثلاثة احتمالات ورجحنا الإحتمال الاول وبناء عليه يكون التعريف متصدياً أيضاً لتشخيص القول الأحسن وبذلك يكون مشمولا للإشكال الوارد على التعريفات الاخرى، وأما بناء على الإحتمال الثاني فالإستحسان ليس من أدلة الحكم الشرعي، وأما بناء على الإحتمال الثالث فهو مطابق للآية بناء على المعنى الاول من الاحتمال الثاني لها إلاّ انَّه لا ينفع لإثبات المطلوب بعد ان كان مفاده حجية الدليل الأقوى دون تشخيص ماهو الدليل الاقوى من الدليل الأضعف.

الاحتمال الثالث: لمعنى الآية الشريفة انَّ المراد من عنوان الأحسن هو الأحسن الواقعي إلاّ انَّه في مقابل القول الباطل، فالآية الشريفة تمتدح اللذين يأخذون بالقول الحق، وذلك بقرينة السياق.

ولكي تتضح الدعوى نذكر الآية الشريفة بتمامها وكذلك التي سبقتها والتي تليها ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إلى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ / الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ / أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ...﴾(4).

فالآية الشريفة واقعة في هذا السياق وهي تُعبِّر عن انَّ المهديين واولي الألباب واللذين لهم البشرى هم اللذين اجتنبوا الطاغوت وأنابوا لربهم واتَّبعوا أحسن القول، وفي مقابلهم من حقت عليه كلمة العذاب وليس من سبيل لإنقاذهم من النار.

والذي يؤكد ماذكرناه انَّ الآية الشريفة رتبت البشارة على اجتناب عبادة الطاغوت والإنابة لله جلَّ وعلا ثم عطفت ذلك ببيان العلة من البشارة وهي اتباع أحسن القول، فأحسن القول هو اجتناب الطاغوت والإنابة لله جلَّ وعلا، فالتوصيف هنا باتباع أحسن القول سيق لغرض التعليل أو لغرض الإحتراز وكلاهما يصبان في صالح المطلوب كما هو واضح.

ثم لم تكتفِ الآيات بزفِّ البشرى للذين يتبعون أحسن القول أي اللذين اجتنبوا الطاغوت بل أوضحت مصير غيرهم فقالت (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ) فليس هنا حالة برزخية فاما اتباع أحسن القول وهو المستوجب للبشرى وإمَّا اتباع الطرق الاخرى وهو المستوجب للعذاب.

وبهذا اتضح انَّ الأحسنية في الآية الشريفة ليست في مقابل الحسن وانَّما هي في مقابل سَيّء القول وباطله فهي على غرار قوله تعالى ﴿أَفَمَن يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى﴾(5) فأحقية الذي يهدي للحق بالإتباع ليست في مقابل استحقاق من لا يهدي للإتباع، فالذي لا يهدي لا يستحق الإتباع بل يحرم اتباعه.

وبتمامية استظهار هذا الإحتمال تكون الآية غير نافعة لاثبات ما يروم القوم إثباته من حجية الإستحسان، وما قد يقال من انَّه يمكن إثبات حجية الإستحسان بواسطة التمسُّك باطلاق اللذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

نقول انه لو تم الإطلاق -بناء على هذا الإحتمال- فإنَّ الإشكال الوارد على المعنى الاول من الاحتمال الثاني لمعنى (الاحسن) وارد هنا أيضاً فراجع.

الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم﴾(6).

وهذه الآية الشريفة تحتمل عدة احتمالات نذكر أهمها:

الإحتمال الاول: انَّ الآية الشريفة في صدد التأكيد على اتباع التكاليف الإلزامية، فإنها أحسن ما اُنزل من الله جلَّ وعلا، وذلك في مقابل الأحكام التكليفية الغير الإلزامية، فهي وان كانت حسنة إلاّ التكاليف الإلزامية أحسن، ولعل منشأ الأحسنية هو ان الملاكات في موردها تامة، فالأحسنية بلحاظ ما يعود على المكلَّف من نفع وما يندفع عنه من ضرر، أو بلحاظ انّ اتباعها هو المنجي من النار، وأما التكاليف غير الإلزامية فهي بالإضافة إلى انَّ ما يعود منها على المكلَّف ليس بمستوى ما يعود عليه من اتباع التكاليف الإلزامية، فهي بالإضافة لذلك فإنَّ اتباعها لا يوجب النجاة من النار والفوز بالجنة لو كان المتبع لها تاركاً للتكاليف الإلزامية.

الإحتمال الثاني: انَّ الآية الشريفة متصدِّية لعلاج حالات التعارض والتزاحم وان المكلَّف ملزم بالأخذ بأحسن ما اُنزل، ولمَّا كان التعارض فيما انزل غير معقول فيتعين القول إما باختصاص تصدِّي الآية الشريفة لحالات التزاحم أو انَّ المراد مما انزل هم الأعم من القرآن الكريم وسائر الأدلة -فإن التعارض حينئذ معقول، وذلك كما لو تعارض خبر ثقة مع ظهور آية- أو يكون المراد من التعارض هو التعارض الصوري بين متشابهات الآيات ومحكماتها فالأحسن حينئذ هو الأخذ بالمحكمات، والأحسنية هنا بلحاظ المكلَّف لجهله بالمراد من المتشابهات.

الإحتمال الثالث: انَّ الآية تخاطب الكفار أو العصاة وتعظهم باتباع أحسن ما اُنزل اليهم، فقد انزل اليهم التهديد والوعيد بالنار والعذاب كما انزلت اليهم البشرى بالمغفرة عندما يُنيبون إلى ربهم ويتوبون اليه من قبل ان يُباغتهم العذاب.

والأحسنية هنا بلحاظهم حيث انَّ الاوفق بحالهم هو التوبة والإنابة لانها تستوجب المغفرة. ويمكن ان يستظهر هذا المعنى بواسطة سياق الآية الشريفة ﴿وَأَنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ / وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ / أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ...﴾(7)، وهذا المعنى استظهره الشيخ محمد جواد مغنية (رحمه الله).

وأوفق احتمال يناسب دعوى دليلية الآية الشريفة على حجية الإستحسان هو الإحتمال الثاني إلاّ انَّه مع مخالفته لظهور الآية الشريفة لا تثبت به الدعوى.

أما مخالفته لظهور الآية الشريفة فواضح بملاحظة سياق الآية وسابقتها والتي تليها، فهي تأمر بالإنابة والرجوع إلى الله تعالى قبل فوات الأوان ومباغتة العذاب، وهذه اللغة لا تناسب أهل الطاعة واللذين يبحثون عن حكم الله تعالى ويتحرُّون مظانه، فهل من المناسب لو جاءك طالب الحق يبحث عن وظيفته الشرعية أترى من المناسب أن تهدده وتزجره وأي أحد من أهل المحاورة يقبل بهذا النحو من البيان حتى نقبل ذلك على الله جلَّ وعلا، ولو تنزلنا وقلنا انَّ المعنى المتعين من الآية الشريفة هو الإحتمال الثاني فإنَّه لا ينفع لإثبات الدعوى وذلك لامور:

أولا: لانَّه أجنبيٌ عما يُراد اثباته من حجية الإستحسان -بناء على التعريف الاول والثاني والثالث والخامس- فإنها جميعاً بصدد تحديد صغرى الدليل الاقوى، وهذا مالم تتصدَ الآية الشريفة لبيانه حتى بناء على الإحتمال الثاني، إذ انها -بناء عليه- بصدد بيان حجية الدليل الاقوى اما ان تشخيص الدليل الاقوى يتم بواسطة الذوق وملائمات الطبع أو ما يستحسنه العقل أو ما يدلُّ عليه الكتاب والسنة أو ما يناسب المصلحة أو العدل فهذا مالا يمكن استفادته من الآية الشريفة حتى بناء على الاحتمال الثاني.

واما التعريف الرابع فكذلك يرد عليه نفس الإشكال بناء على ما استظهرنا وهو الاحتمال الاول، وأما الاحتمال الثالث للتعريف فهو صياغة ثانية للآية بناء على احتمالها الثاني، وعليه لا يكون الإستحسان أكثر من لزوم العمل بالدليل الأقوى أما ماهو الدليل الاقوى فهذا ما لا يتصدى التعريف الرابع -بناء على احتماله الثالث- لبيانه.

ثانياً: الآية -بناء على احتمالها الثاني- أخص من المدعى في بعض التعريفات كالتعريف الاول حيث لا تختص حجية الإستحسان -بناء عليه- بحالات التعارض أو التزاحم بل هو حجة حتى في غير مورديهما وكذلك الكلام في التعريف الثاني بل وحتى الخامس لو كان الالتفات إلى المصلحة والعدل مطرداً حتى في غير حالات التعارض والتزاحم كما هو مقتضى اطلاق التعريف.

الدليل الثالث: وهو من السنة الشريفة وهو ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن مسعود انَّه قال (انَّ الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فوجد أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيِّه يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأوه سيئاً فهو عند الله سَيء)(8).

والإشكال على الإستدلال بهذه الرواية من جهتين:

الجهة الاولى: تتصل بالسند حيث انَّ ابن مسعود (رحمه الله) لم يُسند الرواية إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهي مقطوعة، وهذا ما يوهن الإستدلال بها على المطلوب إذ لعلها كلاماً لابن مسعود نفسه، نعم بناء على حجية قول الصحابي يمكن الإستدلال بهذا النص إلاّ انَّ الإستدلال حينئذ يكون بقول الصحابي لا بالسنَّة الشريفة، وعندئذ يكون الدليل مبنائياً، فمن لا يرى حجية قول الصحابي لا يصلح هذا الدليل لإلزامه، وذلك لا يمثل طعناً في الصحابي الجليل ابن مسعود إذ فرق بين عدالة الرجل وبين حجية قوله واجتهاده.

الجهة الثانية: إنَّ لفظ المسلمين في قوله (فما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن) ظاهر في العموم المجموعي أي ما رآه مجموع المسلمين، وحينئذ تكون الرواية أجنبية عن محلِّ البحث، إذ انَّها انَّما تُثبت حجية الإجماع لا حجية الإستحسان الذي قد يختص به مجتهد أو مجتهدان، على انَّه لا يبعد ان يكون ذلك مختص بالصحابة حيث رتبت الرواية حجية ما يراه المسلمون حسناً على نظر الله جلَّ وعلا إلى قلوب العباد ووجدانه امتياز قلوب الصحابة على سائر قلوب العباد، إذ لا معنى لثبوت حجية استحسان المسلمين بسبب ان قلوب الصحابة خير قلوب العباد إذ لا إرتباط بين السبب ونتيجته مما يوجب استظهار انَّ الذي ثبت لاستحسانه الحجية هو خصوص الصحابة، فتكون الرواية أخص من المدعى -لو بنينا على انَّها في صدد إثبات حجية الاستحسان وإلاّ فهي -كما هو الظاهر من الرواية- أجنبية عن محل البحث، إذ انَّها متصدية لإثبات حجية إجماع الصحابة.

ثم انَّ الإنصاف انَّ الرواية ليست متصدية للحديث عما يكشف عن الحكم الشرعي وان رؤية أو إستحسان المسلمين يكشف عن حكم الله الواقعي بل هي تعبِّر عن انَّ قلوب المسلمين أو الصحابة لمَّا كانت على الفطرة لم تتغلَّف بحجب الضلال والكفر أو انَّها تخلَّصت منها بالإيمان والهداية فإنَّ لها حينئذ ان تتعرَّف على موارد الفضيلة والرذيلة والخير والشر، إذ ان ضمير الإنسان إذا خلا من الكفر والعصبية فإنَّه يكون دليل الخير والصلاح.

هذا ما يُستظهر من الرواية فهي من الروايات الأخلاقية التي لا صلة لها بالدعوى، والتعبير (بما رآه المسلمون) ناشئ عن انَّ الوقوف على موارد الفضيلة والرذيلة لا يختص بفرد دون آخر بعد افتراض سلامة الفطرة.

والذي يؤكد ماذكرناه انَّ الرواية رتَّبت الفقرة الأخيرة وهي قوله (ما رآه المسلمون حسناً) على نظر الله جلَّ وعلا لقلوب العباد ووجدانه انَّ قلوب الصحابة خير قلوب العباد، وواضح انَّ القلب لا يكشف عن الحكم الشرعي وإلاّ فما معنى اختلاف المسلمين في فتاواهم المعتمدة على الإستحسان إلاّ ان يقال ان قلب المسلِّم مشرِّع وليس كاشفاً وحينئذ يجب الإلتزام بأن ما يوحيه قلب كل مسلم من حكم حجة عليه ولو لم يكن هذا المسلم مجتهداً، وذلك لأنَّ الرواية لم تجعل هذه الصفة لمسلم دون آخر حتى تكون صلاحية ذلك منحصرة بالمجتهد، وهذا ما لا يلتزم به القائلون بالإستحسان.

الدليل الثالث: دعوى الإجماع على حجية الإستحسان.

والظاهر عدم وجود دعوى بهذه السعة وانما هي موارد.. وقليلة أيضاً، ادُّعي انَّ اجماع الأمة عليها نشأ عن الإستحسان، وحينئذ نقول: إن صُرِّح حينئذ في معقد هذه الإجماعات انَّها نشأت عن الإستحسان فإنَّ الاستحسان يثبت في الجملة أي في الموارد التي تجمع الأمة قاطبة على صلاحيته لإثبات حكم أو نفي حكم ولا يصحُّ التعدِّي منها إلى موارد اخرى، كما لابدَّ من ملاحظة أي نحو من الإستحسان الذي أجمعت الأمة على أهليته لإثبات حكم ذلك المورد ومع تشخيصه يكون هو المتعين من أنحاء الإستحسان، إذ انَّ غيره ليس مورداً للإجماع فلا يمكن الإستدلال بالإجماع على حجيته، ومع عدم تشخيصه لا يصح إعمال الحدس لتحديده، وذلك لأنه اجتهاد خاص لا يمكن تحميل اجماع الاُمة عليه وإلاّ فهو خروج عن الإستدلال بالاجماع.

هذا كلُّه لو صُرِّح في معقد الإجماع بأن مدركه هو الإستحسان وأما مع عدم التصريح فلا مبرِّر للإستدلال على حجيّته بالإجماع إلاّ الحدس والإجتهاد وهو خروج عن الإستدلال بالإجماع.

والظاهر انَّ تمام الموارد القليلة التي ادعي قيام الإجماع عليها وانَّه ناشئ عن الإستحسان هي من هذا القبيل، إذ من المتعذِّر عادة إحراز انَّ المنشأ من تبني كل فرد أو عالم من الامة لهذا الحكم هو الإستحسان، وعدم وجود ما يبرِّر الإجماع من نص لا يقتضي تعين المدرك في الإستحسان فلعلَّ المدرك هو السيرة العقلائية أو المتشرعية، ولعلَّ المناشئ مختلفة فكل فريق نشأ تبنيه للحكم عن مدرك غير الذي نشأ عنه تبني الفريق الآخر فيتكون الإجماع ولكن بمناشئ مختلفة.

هذا بالإضافة إلى عدم تمامية دعوى إجماع الأمة على حجية الإستحسان، فإنَّ هذه الدعوى منقوضة بمذهب الامامية حيث يبنون جميعاً على عدم حجيته وكذلك الظاهرية والشافعية.

وبهذا يتضح سقوط تمام الأدلة التي استدلَّ بها على حجية الإستحسان، وهو كاف لسقوطه عن الحجية من غير حاجه لإثبات ذلك، فإن الأدلة الظنية التي لم يقم الدليل القطعي على حجيتها باقية على الأصل وهو عدم الحجية. لقوله تعالى ﴿إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾(9).

منقول من المعجم الأصولي

للشيخ محمَّد صنقور


1- سورة المائدة / 96.

2- سورة الزمر / 18.

3- سورة الزمر / 18.

4- سورة الزمر / 17-20.

5- سورة يونس / 25.

6- سورة الزمر / 55.

7- سورة الزمر / 53-56.

8- مسند أحمد: مسند المكثرين من الصحابة الحديث 3418.

9- سورة النجم / 28.