ولادة المسيح من فخذ أمه وكذلك الحسنين؟!!

بسم الله الرحمن الرحيم

الهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل صحيح أنَّ ولادة المسيح (ع) كانت من فخذ أُمِّه؟ وهل صحيح كذلك أنَّ السيدة فاطمة (ع) أنجبت إبناءها بنفس الكيفية؟

الجواب:

وجدتُ ذلك مرويَّاً في موضعين، الأول في كتاب الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي، والثاني في كتاب عيون المعجزات للمحدِّث الشيخ حسين بن عبد الوهاب، وما هو موجود في مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني منقولٌ عن عيون المعجزات.

أمَّا ما هو مذكورٌ في كتاب الهداية الكبرى فهذا هو نصُّه: "والذي ولدت فاطمة (ع) من أمير المؤمنين الحسن والحسين ومحسناً سقطاً وزينب وأم كلثوم، وكان اسمها آمنة، وولدت الحسن والحسين من فخذها الأيمن وأم كلثوم وزينب من فخذها الأيسر، ومثله رُوي عن وهب بن منبِّه أنَّ مريم ولدت عيسى (ع) من فخذها الأيمن وأنَّ النفخة كانت من جيبها والكلمة على قلبها"(1).

وأمَّا ما هو مذكورٌ في كتاب عيون المعجزات فهذا نصُّه: "ورُويَ أنَّ فاطمة (ع) ولدت الحسن والحسين من فخذها الأيسر، ورُويَ أنَّ مريم ولدت المسيح (ع) من فخذها الأيمن"(2). 

أمَّا ما هو مذكورٌ في كتاب الهداية الكبرى فهو ساقطٌ عن الاعتبار والحجيَّة، لانَّه لم يَذكر سنده إلى الخبر، فهو لذلك يكون مرسَلاً، وأمَّا ما رواه عن وهب بن منبِّه فهو مضافاً إلى كونه مرسَلاً، إذ لم يذكر طريقَه إلى وهب بن منبِّه فإنَّ وهباً نفسه في غاية الضعف، فقد أفاد الشيخُ الطوسي في الفهرست والنجاشي أنَّ القمِّيين استثنوه من رجال نوادر الحكمة (3)، وهو تعبيرٌ عن ضعفه، وقد ذكر المحقِّق التستري في كتاب قاموس الرجال أنَّ منشأ استثنائهم له هو أنَّ أخباره منكَرات(4)، على أنَّه ليس من رواة الإماميَّة بل كان عاميَّاً، وهو من أصلٍ يهودي، وقد امتلئت مِن مخاريقه كتبُ العامَّة خصوصاً كتب التفاسير وكتب التاريخ، وقد تسرَّبت إلى كتبنا بعضُ مرويَّاته ومخاريقه المنكرة.

ذكر ابنُ سعد في الطبقات الكبرى أنَّ وهباً هذا قرأ اثنين وتسعين كتاباً ادّعى أنَّها كانت قد نزلت من السماء، اثنتان وسبعون منها في الكنائس وفي أيدي الناس وعشرون لا يعلمُها إلا قليل(5)، وحُكي عنه أيضاً أنَّه قرأ ثلاثين كتاباً نزلت على ثلاثين نبيَّاً (6). وقد أفرغ ما كان قد قرأه من هذه الإسرائيليات في كتب الحديث والتفسير وادّعى في كثيرٍ منها أنَّها مرويَّة عن الرسول (ص) والصحابة، ولذلك فهو ممَّن لا يُعتدُّ بمنقولاته شأنُه في ذلك شأنُ كعب الأحبار وتميم الداري.

ثمّ إنَّ ثمة مضعِّفاً آخر لما هو منقولٌ في كتاب الهداية الكبرى، وهو أنَّ صاحب الهداية الكبرى أعني الحسين بن حمدان الخصيبي من أعلام القرن الرابع الهجري لا يُعتمد على ما يتفرَّد به، فهو لم يُوثَّق بل إنَّ النجاشي اتَّهمه بفساد المذهب(7).

وأمَّا ما وروي في كتاب عيون المعجزات المنسوب للمحدِّث الشيخ حسين بن عبد الوهاب من أعلام القرن الخامس الهجري، فقد جزم الشيخ النوري في خاتمة المستدرك أنَّ الكتاب من تأليف المحدِّث المذكور(8)، وليس من تأليف السيد المرتضى كما هو مذكور في مدينة المعاجز فإنَّ ذلك اشتباهٌ من السيد هاشم البحراني.

وكيف كان فالرواية المذكورة في عيون المعجزات في غاية الضعف، وذلك لأنَّها مرسَلة ولأنَّ مُرسلَها لم ينسبها إلى أحد المعصومين (ع) على أنَّ الكتاب المذكور ليس مورداً للاعتماد لذلك لم يروِ منه الحرُّ العاملي في الوسائل.

هذا ما يرتبط بسندِ الخبرين، وأمَّا ما يرتبط بالمتن فإنَّ أحداً من علماء الشيعة لا يقول به بل إنَّ المضمون الوارد في الخبرين يُعدُّ من الإساءة لمقام السيدة فاطمة الزهراء (ع) والسيدة مريم (ع) على أنَّه منافٍ للمُستفاد من الروايات الكثيرة والمعتبرة المتصدِّية للحديث عمّا وقع حين ولادة السيدة فاطمة (ع) بالإمامين الحسن والحسين (ع).

فالمضمون الوارد في الخبرين أشبه شيءٍ بالإسرائيليَّات أو بمخاريق الغلاة ومختلقاتِهم.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- الهداية الكبرى -الحسين بن حمدان الخصيبي- ص180.

2- عيون المعجزات -حسين بن عبد الوهاب- ص51.

3- رجال النجاشي - النجاشي- ص 348، الفهرست - الطوسي- ص222.

4- قاموس الرجال - التستري- ج10 / ص454.

5- الطبقات الكبرى - ابن سعد -ج5 / ص543.

6- الطبقات الكبرى - ابن سعد -ج5 / ص543.

7- رجال النجاشي- النجاشي- ص67.

8- خاتمة المستدرك- النوري- ج1 / ص166، ج3 / ص220.