معنى الأيام البِيْض وعلَّةُ استحباب صومها

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما سبب تسمية الأيام البيض بهذا الاسم، وما هي الحكمة من استحباب صيامها في كلِّ شهر؟

الجواب:

سُمِّيت هذه الأيام الثلاثة بأيام الِبيض بلحاظ لياليها حيث أنَّ القمر فيها يكون بدراً فتكون السماءُ مضيئةً أكثر في هذه الليالي الثلاث، وقيل إنَّها سُمِّيت بليالي البيض لأنَّ القمر فيها يطلع بمجرَّد غروب الشمس ويغرب مع طلوعها في اليوم الثاني.

وأمَّا علَّة استحباب صومها فهي فعل النبيِّ (ص) وتوصيته بصوم هذه الأيام، وأمَّا الحكمة من اختيار هذه الأيام فقد وردت روايةٌ من طرق السنة وأوردها الشيخ الصدوق (رحمه الله) في علل الشرايع مفادها أنَّه لمَّا اُخرج آدم (ع) من الجنَّة صار على وجهه مثل السواد لمخالفته النهي عن الأكل من الشجرة فأُمِر بالصوم لإزالة ذلك السواد فوافقَ صومُه أيامَ البيض الثلاثة، فذهب في اليوم الأول بعد صومه ثلثُ السواد، وذهب في اليوم الثاني الثلثُ الثاني، وفي اليوم الثالث ابيضَّ وجهُه: "فسُمِّيت أيام البيض للذي ردَّ اللهُ على آدم (ع) بياضه" ثم نادى منادٍ من السماء: "يا آدم هذه الثلاثة أيام جعلتُها لك ولولدك، مَن صامَها في كلِّ شهر فكأنَّما صام الدهر"(1).

والمراد من السواد الذي صار على وجه آدم (ع) -بناء على صدور الرواية- ليس هو السواد الظاهري، كما أنَّ المراد من البياض ليس هو البياض الظاهري بل إنَّ المراد من السواد - ظاهراً- هي الظلمة المعنويَّة التي تعتري القلب عند المعصية أو مخالفة الأولى، والمراد من البياض هو النوارنيَّة المعنويَّة التي تشعُّ في القلب فتُكسبه بصيرةً وحكمةً ومعرفةً أكثر بالله جلَّ وعلا.

أو أنَّ المراد من السواد هو الغمُّ والحزن الذي ينتاب القلب فينعكس على الوجه، ولذلك ورد في القرآن الكريم: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾(2) فالمراد من سواد الوجه في الآية هو ما ينعكس على الوجه من آثار الحزن والغم نتيجة تبشيره بالأنثى وهو كان يرجو أن تلدَ زوجتُه ذكراً. والمراد من البياض هو أنَّ الصوم لله تعالى أوجب لآدم قُرباً أكثر بالله جلَّ وعلا، فلذلك انشرح صدرُه وزال همُّه لشعوره بالرضوان الإلهي. فالشعور بالرضوان الإلهي يبعثُ على البهجة في القلب فينعكس ذلك على الوجه، فترى المبتهِج متهلِّلاً، وهذا هو معنى البياض الذي اكتسى به وجهُ آدم (ع) بعد صيام الأيَّام الثلاثة.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص380.

2- سورة النحل / 58.