هل من الاحتياط للعامِّي تمييز الفتاوى بالكتاب والسنَّة؟

المسألة:

قال الفاضل التوني في الوافية ما نصُّه "والحق: أنَّ الأولى والأحوط للمكلَّف، أن يكون جميع ما يعتقده من الأصول والفروع ممَّا يكون معروضاً على كلام أئمة الهدى، وخزنة علم الله، وأبواب مدينة العلم (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، ومستنداً إليهم"(1)، وقال أيضا: "واعلم: أنَّه قد مرَّ أنَّ الأحوط للمقلِّد، عرض فتاوى الفقهاء على الروايات وإنَّما قلنا: إنَّه أحوط، لا أنَّه متعيِّن، لانَّ الظاهر من الروايات جواز اعتماد العامِّي على مَن كان ثقةً عارفاً بروايات الأئمة"(2).

ما هو مراد الفاضل من هذه العبائر؟ فهل للمكلَّف قدرة على عرض كلام الفقيه على الكتاب والسنة؟ فقد فهم البعض من هذه العبارة أنَّ للمكلَّف أنْ ينظر إلى فتاوى الفقهاء ويرجِّح القول الأوفق بالقرآن والنصوص.

الجواب:

إذا كان المكلَّف قادراً على تمييز الرأي الأوفق بالكتاب المجيد والسنَّة الشريفة بحيث يحصل له من ذلك العلم أو الظنُّ المعتبر فهو مجتهد، فلا يجوز له التقليد أساساً، لأنَّ القدرة على هذا المستوى من التمييز تتوقَّف على الاستظهار للمرادات الجدِّية من النصوص، والاستظهار منوطٌ بالفهم المتميِّز أولاً بعلوم العربية، ومنوط ثانياً بتنقيح صغريات الظهور وبتنقيح الدليل على حجيَّته، وذلك محرَّرٌ في علم الأصول، والمفترَض في القادر على التمييز أنْ يكون له رأيٌّ مستقل في كلِّ مسألةٍ من المسائل المتَّصلة بالاستظهار، وأمَّا لو كان مقلِّداً في مثل هذه المسائل الأصولية فإنَّ مآل ذلك أنَّ تمييزه كان تقليداً واقعاً.

فثمة مباحث واسعة في المسائل المتَّصلة ببحث الأوامر والنواهي، وببحث العموم، وببحث الإطلاق، وببحث المفاهيم وغيرها من المسائل المرتبطة بتنقيح صغريات الظهور ثم إنَّ ثمة عدداً من المباحث المرتبطة بحجيَّة الظهور، وليس للمكلَّف أنْ يعدَّ نفسه مؤهَّلاً للتمييز إذا لم يكن له رأيٌ مستقِلٌّ في كلِّ مسألةٍ من هذه المسائل.

وكذلك فإنَّ القدرة على التمييز تتوقَّف فيما يتَّصل بالسنَّة الشريفة على تنقيح كبريات الوسائل الإثباتية المعتبرة للسنَّة الشريفة، فما هو المثبت المُعتبَر للسنَّة؟ هل هو الخبر المتواتر والخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم أو أنَّ ثبوت السنَّة الشريفة يتحقَّق بالخبر المستفيض؟ أو أنَّ السنَّة الشريفة تثبت حتى بخبر الواحد؟

وإذا كانت السنَّة الشريفة تثبت بخبر الواحد فهل تثبت بمطلق خبر الواحد أو أنَّها لا تثبت إلا بخبر العدل أو أنَّها تثبت بخبر الثقة وإنْ لم يكن عدلاً؟ أو أنَّ المعتبر فيما تثبت به السنَّة الشريفة هو الخبر الموثوق وإنْ لم يكن الراوي ثقة.

ثم إنَّه لو وقع التعارض بين الأخبار الموثَّقة أو الموثوقة -وهو كثير- فما هو علاج التعارض الواقع بينها؟ وأيُّ مرجِّحات باب التعارض يصلح وأيُّها لا يصلح؟ وماذا لو اتَّفق خلوُّ المورد عن المرجِّحات؟ فهل المرجع هو التساقط أو التخيير أو التوقف؟

ثم إنَّه متى تُعالج الأخبار المتعارضة بمرجِّحات باب التعارض؟ فما هو المائز بين التعارض المُستقِر والتعارض البدوي الذي يكون علاجه بالجمع العرفي كالتخصيص والتخصص والحكومة والورود.

ثم اذا كانت السنَّة الشريفة تثبت بالخبر الموثوق فما هي الضوابط المُنتِجة للوثوق؟ فهل إنَّ وجود الخبر في الكتب الأربعة مثلاً من وسائل الوثوق؟ وهل عمل المشهور من وسائل الوثوق؟ وما هو الدليل على ذلك؟ وهل إعراض المشهور عن خبر الثقة يسلب الوثوق عن الخبر؟

واذا كان البناء هو أنَّ الحجيَّة إنَّما تثبت بخبر الثقة فما هي الضوابط الكبرويَّة المُثبِتة للوثاقة؟ وهذا ما يتكفَّل به علم الرجال، فلا بدَّ من البحث مثلاً عمَّا هي الأصول الرجاليَّة التي يصحُّ الاحتجاج بها على الجرح والتعديل، والبحث مثلاً في حجيَّة التوثيقات العامَّة، والبحث في أماريَّة مشيخة الإجازة على الوثاقة، والبحث في أماريَّة الوكالة مثلاً على الوثاقة، والبحث عن أماريَّة رواية الأجلاء على الوثاقة وهكذا، وعند تنقيح تمام الكبريات الرجاليَّة لا يُمكن التمييز إلا بعد الوقوف التفصيلي على أسانيد الروايات التي يُراد التعرُّف منها على ما يُفضي للتمييز.

ثم انَّه لو كان النصُّ المرتبط بالمسألة -التي يُراد تمييز الفتاوى فيها- مجملاً ذاتاً أو بالعرض أو لم يكن ثمة نصٌّ خاص في المسألة ولم تكن المسألة داخلة في شيءٍ من عمومات وإطلاقات الكتاب والسنَّة أو كان ثمة نصٌّ ولكنَّه مُبتلى بمعارض وكان البناء هو التساقط، فما هو المرجع في كلِّ هذه الفروض؟

فهل ثمة وسائل إثباتية أخرى غير النص يُمكن اعتمادها لإثبات الحكم الشرعي؟ ومع البناء على الإيجاب فما هي هذه الوسائل؟ وما هي الأدلة المُعتَبرة على صلاحيِّتها لإثبات الحكم الشرعي؟ وماذا لو اتَّفق أنَّ المسألة المبحوث عنها لم تكن مورداً لهذه الوسائل الإثباتية؟ هل يكون المرجع حينذاك هو الأصول العملية المعبَّر عنها بالأدلة الفقاهتية؟ فإذا كان الأمر كذلك فما هو الدليل على حجيَّة هذه الأصول؟ وكيف يتمُّ تنقيح مجاري هذه الأصول؟

فإذا كان المكلف عارفاً بكلِّ ذلك تفصيلاً فهو مجتهد لا يجوز له التقليد، وإذا لم يكن عارفاً فمطالبته بالتمييز أشبه شيءٍ بمطالبة الأعمى بالتمييز بين الألوان.

ولو تصدَّى لذلك لكان مجازِفاً، فهو كمن يحطب بليل أو يخبط خبْطَ عشواء، فمَن يحطب بليل قد يجد يده بين فكَّي أفعى أو قد يتفاجىء عند الصباح انَّه كان قد حمل في حزمته عقرباً أو تلوَّثت ثيابُه بعذرة، ومن يخبط خبط عشواء فقد يجد نفسه في زبية الأسد أو في جُحْرِ ضبع أو يجدُ قدمه وقد علقت في وحلٍ غائرٍ أو مستقذَر، ولهذا لا يكون التصدِّي للتمييز على غير هدى أوفق بالاحتياط بل هو منافٍ للاحتياط، لأنَّه قد يختار من الفتاوى -في مقام التمييز- ما هو منافٍ لمقتضى الصناعة العلميَّة والتي صدرت عن الفقيه اشتباهاً نتيجة غفلته عن بعض مبانيه الأصولية أو غيرها أو نتيجة اشتباهه في مقام تنقيحها وتأصيلها أو نتيجة غفلته عن بعض القرائن الداخليَّة للنص أو عدم وقوفه على بعض القرائن المنفصلة للنص، وقد يكون مجموع الفتاوى التي اختارها المكلَّف العامي أو أكثرها منافية لمقتضى الاحتياط، فكيف يقال إنَّ الأخذ بعد التمييز للعامي هو الأوفق بالاحتياط؟!

نعم المناسب للاحتياط هو تصدِّي المكلف للتعلُّم حتى يصل لمرتبة الاجتهاد فينظر في الأدلة بنفسه، وإنْ لم يكن ذلك متاحاً له فالمناسب للاحتياط عند عدم قدرته على الإحتياط المطلق كما هو كذلك هو النظر في فتاوى الفقهاء والعمل بأوفق هذه الفتاوى للاحتياط.

وأما النظر في الفتاوى واختيار الأوفق منها بالكتاب والسنة فذلك ممَّا هو غير متاحٍ له بعد افتراضه عامياً بل يلزم منه نقيض الغرض، وحينما يكون ذلك متاحاً له فهو حينئذٍ يكون مجتهداً وهو خُلْف الفرض.

وأما ما استدلَّ به الفاضل التوني (قدس الله نفسه) على دعواه بما رواه الكليني في باب المسألة في القبر: "عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن موسى (ع) قال: يُقال للمؤمن في قبره: من ربُّك؟ قال: فيقول: الله. فيُقال له: ما دينك؟ فيقول: الاسلام. فيُقال له: من نبيُّك؟ فيقول: محمد. فيُقال: مَن إمامك؟ فيقول: فلان. فيقال: كيف علمت بذلك؟ فيقول: أمرٌ هداني الله وثبَّتني عليه. فيُقال له: نمْ نومةً لا حلم فيها، نومة العروس، ثم يُفتح له باب إلى الجنة، فيدخل عليه من رَوحها وريحانها، فيقول: يا ربِّ عجِّل قيام الساعة، لعلِّي أرجع إلى أهلي ومالي. ويُقال للكافر: من ربُّك؟ فيقول: الله. فيقال: من نبيُّك: فيقول: محمد. فيقال: ما دينك؟ فيقول: الاسلام. فيقال: من أين علمت ذلك؟ فيقول: سمعتُ الناس يقولون فقلتُه. فيضربانه بمرزبة، لو اجتمع عليها الثقلان: الانس، والجن، لم يطيقوها. قال: فيذوب كما يذوب الرصاص"(3).

وهذه الرواية غير صالحة للاستدلال بها على الدعوى المذكورة لأنَّ الأسئلة التي وجٍّهت للكافر وأجاب عنها ثم زعم أنَّه تلقَّاها عن الناس، هذه الأسئلة متصلٌ جميها بأصول العقيدة، ولا ربط لها بالفروع الفقهية التي هي محلُّ البحث، ومن الواضح من الأدلة أنَّ الشأن في أصول العقيدة مختلفٌ عن الشأن في الفروع الفقهية، فإنَّ المعتبَر في الأصول هو اليقين، كما أنَّ المعتبَر -بنظر المشهور- في الأصول هو الاعتقاد الناشئ عن النظر، فلا يصّحُّ في موردها التقليد، واعتبار النظر في الأصول ليس ممَّا يعسر على بسطاء الناس فضلاً عن المتميِّزين في العقل والفطنة، لأنَّ الأصول الاعتقادية من القضايا الفطرية أو من القضايا التي لا يتعسَّر على أكثر الناس إرجاعها إلى القضايا الفطرية، وليس المطلوب من المكلَّفين الوقوف على الأدلة التفصيليَّة على الأصول الاعتقادية، كما أنَّه ليس مطلوباً منهم النظر في فروع المسائل الاعتقادية، فاعتبار النظر إنَّما هو في خصوص الأصول الاعتقادية، وهي لا تسترعي جهداً مضنياً كما لا تسترعي فطنةً متميِّزة، فهي إمَّا قضايا فطرية أو قضايا يحتاج فيها المكلَّف العامي إلى بعض التنبيهات الميسورة من العلماء، لذلك هو مكلَّفٌ بالحضور عندهم للوقوف على هذه المنبِّهات. فالرواية إذن أجنبيَّةٌ عن مورد البحث، هذا أولاً.

وثانياً: إنَّ ممَّا لا ريب فيه ويقرُّ به الفاضل التوني -كما صرَّح بذلك في كلامه- أنَّ قول الفقيه ممَّا يصحُّ للمكلَّف العامِّي الاحتجاج به شرعاً والاعتماد عليه في مقام العمل، وحينئذٍ كيف يُعاقب على اعتماده على ما صحَّح له الشارع الاعتماد عليه؟!، ومقتضى ذلك أنَّ المكلف لو أجاب الملَكين حين سؤاله عن مدرك أعماله وعقوده وعباداته بأنَّه اعتمد في ذلك على رجلٍ جعل الشارع لقوله الحجيَّة فإنَّه لا يصحُّ للملَكين تعذيبه بعد تماميَّة حجَّته، وهذا ما يكشف عن أنَّ الرواية لا ربط لها بمورد البحث، لأنَّها أفادت أنَّ الكافر سوف يُعذَّب رغم أنَ إجاباته كانت مطابقة للواقع، فهو إذن إنَّما يُعذَّب نظراً لكون إجاباته لم تنشأ عن النظر رغم اعتبار النظر في المسائل التي سُئل عنها، ومسائل الفروع لا يتعيَّن فيها النظر بإقرار الفاضل التوني بل يصحُّ في موردها الاعتماد على قول الفقيه الجامع للشرائط.

ثم إنَّ جواب الكافر للملَكين هو أنَّه تلقَّى هذه الإجابات من الناس، ولا ريبَ في أنَّه لا يصحُّ التعويل حتى في الفروع على مطلق الناس، ولو كان الكافر يقصد من الناس العلماء الذين يصحُّ الاحتجاج بقولهم لكان الأجدر بحجَّته القول بأنَّه أخذ ذلك عن العلماء فإنَّه أفلج لحجَّته، ولكنَّه لمعرفته بعدم جدوى الكذب، لذلك أخبرهم بالواقع وأنَّه أخذ إجاباته مما تلقَّاه من عموم الناس، وقولُ عموم الناس ليس بحجَّه فلعلَّه لذلك استحقَّ العقاب.

ولعلَّ استحقاقه للعقاب -وهو الأظهر- نشأ عن أنَّه لم يكن معتقداً بما أجاب به الملَكين، بقرينة أنَّ الرواية وصفته بالكافر، فهو إنَّما أجاب بهذه الإجابات المطابقة للواقع لأنَّه يُدرك أنَّ ذلك الذي قد يُنجيه من العقوبة وإلا فهو لم يكن مؤمناً بها في الدنيا، فهو إنَّما عُذِّب على كفره ولم يُعذَّب نتيجة اعتماده على ما تلقَّاه عن الناس، فالرواية ليست صالحة للاستدلال بها حتى على لزوم النظر في الأصول الاعتقادية فضلاً عن الفروع.

وأمَّا استدلاله أو تأييده دعواه -بأنَّ الاحوط هو عرض فتاوى الفقهاء على الكتاب والسنة- بما رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي بسنده عن أبي بصير، قال: "قلتُ لأبي عبد الله (ع): ترد علينا أشياء وليس نعرفها في كتابٍ ولا سنَّة فننظر فيها؟ فقال: لا، أما إنَّك إنْ أصبت لم تُؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله عزَّ وجل"(4)، فهو غير صالحٍ للتأييد لأنَّ مفروض السؤال في الرواية هو عدم وجود ما يرد على السائل في الكتاب والسنَّة، وهذا لا يتَّفق احرازه إلا للمجتهد فإنَّ من غير الميسور على غير المجتهد الجزم بعدم وجود حكم مسألةٍ في الكتاب والسنَّة بحيث لا يكون منصوصاً على حكمها بنصٍّ خاص ولا هي داخلة تحت عمومات شيءٍ من الكتاب والسنَّة، فلتكن هذه قرينة على أنَّ مفروض الرواية هو المجتهد، ويُؤيد ذلك قول أبي بصير: "فننظر" وهو إنَّما يناسب المجتهد, أمَّا عوامُّ الناس فيأخذون معالم دينهم من العلماء كما هو مقتضى السيرة القطعيَّة للعقلاء والمتشرِّعة.

ثم إنَّ مقتضى الرواية هو النظر ابتداءً في الكتاب والسنة للتعرُّف على الأحكام الشرعيَّة، فهي لو كانت دليلاً على شيء فهو لزوم الاجتهاد وعدم جواز التقليد، فإنْ كان مراد الفاضل من العرض لفتاوى الفقهاء لتمييز الأوفق منها بالكتاب والسنة هو النظر والاجتهاد، فهو ما كنَّا نؤكد عليه، وبناءً عليه يكون المخاطَب بالنظر هو الواجد لأهليَّة النظر وهو المجتهد، وإنْ كان المراد من العرض لا يخرج عن التقليد فهو منافٍ لظاهر الرواية المقتضية للأمر بالنظر في الكتاب والسنة غير الصادق على التقليد.

ومن المحتمل قويَّاً انَّ مراد أبي بصير هو السؤال عمَّا يرد عليهم من فتاوى العامة مما لا يجدون له مستنداً في الكتاب والسنة أو أنَّه يسأل عن مطلق الوقائع التي لا يجدون لها حكماً في الكتاب والسنة، فجاء جواب الإمام (ع) بما يقتضى الأمر بالتوقُّف وعدم المجازفة بالفتيا على غير هدىً، فالسؤال كان عن وظيفة المجتهد لو اتَّفقت له مسألة لا يجد لها حكماً في الكتاب والسنة، فهي ليست بصدد البيان لوظيفة المكلَّف العامي الذي لا يتيسَّر له احراز وجود المسألة في الكتاب والسنة أو عدم وجودها.

ويُؤيِّد ذلك مضافاً إلى التعبير بالنظر وافتراض السائل عدم الوجدان لحكم المسألة في الكتاب والسنَّة، يُؤيد ذلك ذيل الرواية المشتمل على التعبير بالإصابة للواقع والخطأ للواقع المُفضي للكذب على الله تعالى، وهذان التعبيران يُناسبان المجتهد الذي يُخطأ ويُصيب، ثم إنَّ نسبة الكذب في فرض الخطأ إنَّما يناسب الفتيا وأمَّا الخطأ في العمل فلا يُوصف مُجترِحُه بالكذب على الله تعالى.

والمتحصَّل إنَّ تصدِّي المكلَّف العامِّي لعرض فتاوى الفقهاء لغرض التمييز والاختيار لما هو الأوفق بنظره للكتاب والسنَّة ليس هو المناسب لمقتضى الاحتياط بل هو منافٍ للاحتياط نظراً لعدم قدرته على التثبُّت ممَّا هو الأوفق بالكتاب والسنَّة والذي قد يُفضي إلى اختيار فتوى منافية للاحتياط ومنافية في ذات الوقت لفتوى المشهور ولفتوى الأعلم وهي مع ذلك ليست هي الأوفق بمفادات الكتاب والسنَّة، ولو اتَّفق له اختيار ما هو الأقرب لمفادات الكتاب والسنة فهي رميةٌ من غير رامٍ لا تنفي واقع المجازفة عن الأمر للعامي بالتمييز، والمجازفة على الضد من الاحتياط.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- الوافية في أصول الفقه -الفاضل التوني- ص315.

2- الوافية في أصول الفقه -الفاضل التوني- ص316.

3- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 / ص238.

4- الكافي -الشيخ الكليني- ج1 / ص56.