تمثُّل جبرئيل في صورة دحية الكلبي


المسألة:

ما العلَّة في تمثل الوحي ونزوله على رسول الله (ص) في شخص دحية الكلبي؟ علماً بأنَّه لم يكن اقرب الصحابة لرسول الله (ص).

الجواب:

ليس الوحي هو ما يتمثَّل في صورة دحية الكلبي وإنَّما الذي يتمثَّل على صورته هو الأمين جبرئيل (ع) حاملُ الوحي، فكان يتمثَّل في بعض حالات نزوله في صورةٍ تٌشبه دحية الكلبي بحسب ما ورد في بعض الروايات، فمعنى تمثُّله في صورة دحية الكلبي هو تمثُّله في صورة بشرٍ هو أشبهُ الناس بدحية الكلبي، وإلا فالنبيُّ الكريم (ص) كان يُميِّز بين الصحابي دحية الكلبي وبين جبرئيل حين ينزلُ في صورة بشر، وتكون تلك الصورة مشابهة إلى حدٍّ ما لصورة الصحابي دحية الكلبي، تماماً كما يتَّفق كثيراً أنْ يقال فلانٌ يُشبه فلان ورغم ذلك لا يقع الاشتباه في التمييز بينهما. فصورة البشر التي كان ينزل جبرئيل على هيئتها إذا أردنا أن نشبه بها صورة أحدٍ من الناس فأقربهم شبهاً بها هو دحية الكلبي 

وقيل إنَّ منشأ تمثل جبرئيل (ع) في صورة إنسان يشبه إلى حدٍّ ما دحية الكلبي هو ما كان عليه دحية من حسنٍ وجمال.

على أنَّه ورد في عددٍ ما الروايات أنَّ جبرئيل (ع) نزل أيضاً في بعض حالات نزوله في صورة بشرٍ لم يكن يُشبه دحية (رحمه الله)، كما نزل من قبل ذلك على غيره من الأنبياء وبعض الأصفياء في صورة بشرٍ لا يُعلم مَن كان يُشبه تلك الصورة التي تمثَّل فيها، فهو قد نزل على مريم (ع) في صورة بشر كما قال تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾.  

ونزل على إبراهيم (ع) ومعه عددٌ من الملائكة في صورة بشر، كما نصَّ على ذلك مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} هود:69، 70 فالملائكة الذين جاءوا لنبيِّ الله إبراهيم (ع) جاءوا على صورة بشر، ولم يكونوا قد عرَّفوا أنفسهم، ولهذا حسبهم إبراهيم (ع) بشراً مثله فقام بواجب الضيافة لهم فقدَّم لهم -كما أفادت الآية- عجلاً مشويَّاً. ، فالحكمة الإلهيّة قد تقتضي أنْ يبعث اللهُ تعالى لأنبيائه ملائكة على هيئة بشر.

  

وكذلك نصَّ القرآن المجيد على أنَّ نزول الملائكة على هيئة البشر قد وقع لنبيِّ الله لوط (ع) حينما جاءوا لإخباره أنَّ الله تعالى قد قضى على قومه بالعذاب فدخلوا على نبيِّ الله لوط (ع) فضاق بهم ذرعاً لاعتقاده أنَّهم من البشر وخشيته عليهم من أذى قومه، قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ...  قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} هود: 77: 81   

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور