معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾


المسألة:

في القرآن الكريم يقول تعالى: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ هل المقصود بها الصلوات الخمس أم غير ذلك؟ وكيف استنبط الفقهاء أيدهم الله انَّ صلاة الظهر وصلاة العصر إخفات والباقي جهر؟

الجواب:

ليست الآيةُ المباركةُ هي مستند الفقهاء في إيجاب الإخفاة في صلاتي الظهر والعصر والجهر في الباقي بل مستندُهم في ذلك هو الروايات الواردة عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) فقد ثبت عنهم الأمرُ بالجهر في قراءة الركعتين الأوليين من صلاة الصبح والعشائيين والأمر بالإخفاة في صلاتي الظهر والعصر.

وأما الآية المباركة فهي بصدد النهي عن المبالغة في الجهر بما يبلغ حدَّ الصراخ والمبالغة في الإخفاة بما يصل إلى حدِّ لا يسمع القارئفيها نفسه، فهي تأمر بالوسطية والإعتدال في القراءة، فليس المقصود من الجهر والإخفاة المنهي عنه في الآية المباركة هو الجهر المأمور به في قراءة الصلوات الجهرية والإخفاة المأمور به في قراءة الصلوات الإخفاتية بل المقصود من النهي في الآية المباركة المبالغة في الجهر والإخفاة كما يدلٌّ على ذلك عدد من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع).

منها: معتبرة سَمَاعَةَ قَالَ سَأَلْتُهعَنْ قَوْلِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: ﴿ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها﴾ قَالَ الْمُخَافَتَةُ مَا دُونَ سَمْعِكَ والْجَهْرُ أَنْ تَرْفَعَ صَوْتَكَ شَدِيداً".

ومنها: معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز وجل: ﴿ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها﴾ قال (ع): "الجهرُ بها رفعُ الصوت والتخافتُ ما لم تُسمعْ نفسك، واقرأ ما بين ذلك".

فالمنهيُّ عنه في الآية هو الرفعُ الشديد والخفضُ الشديد، والمأمور به في الآية هو الإعتدالُ والتوسُّط، فهو مفاد قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ أي اتَّخذ طريقاً وسطاً بين الرفعِ والخفض الشديدين وهو معنى قوله (ع):"واقرأ ما بين ذلك".

فالقراءةُ المأمور بها في كلٍّ من الصلوات الجهريَّة والإخفاتيَّة هي القراءةُ المعتدلة التي لا تكونُ صراخاً ولا تكونُ إسراراً بحيثُ لا يُسمعُ حتى نفسَه، نعم المطلوبُ في الصلوات الجهريَّة هو إسماع مَن هو قريبٌ منه، والمطلوبُ في الصلوات الإخفاتيَّة هو أنْ يُسمعَ نفسَه دون غيرهألفاظَ قراءتِه، فيصدقُ عرفاً على القراءة الأولى أنَّها جهريَّة وعلى الثانية أنَّها اخفاتيَّة وفي ذاتِ الوقت يصدقُ على القراءتين أنَّها ليست صراخاً وليستْ إسراراً بل هي بين بين، فكلٌّ من الجهرِ والإخفاة في الصلوات المفروضة لا يخرجُ عن حدِّ الإعتدال المأمورِ فيقوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور