الوجه في تسكين القاف في قوله ﴿وَيَتَّقْهِ﴾


المسألة:

قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾(1) لماذا تمَّ تسكينُ القاف في قوله: ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ ولم يقلْ ويَتَّقِهِ بكسر القاف؟

 


1- النور/52.

الجواب:

هذه قراءةُ حفص، وأمَّا الباقون فقرأوا بكسر القاف، واختلفوا في الهاء فبعضُهم قرأها ساكنةً والقاف مكسورة، وبعضُهم كسر الهاء بكسرةٍ مختلسة، وبعضُهم كسَرها بكسرةٍ مشبَعة، والجميع عدا حفص قرأ القاف مكسورة.

 

أمَّا الوجه في كسر قاف الفعل "يتَّقِهِ" -كما هي قراءة المشهور– فواضح، إذ إنَّ الفعل "يتَّقي" مجزوم لكونه معطوف على فعل الشرط المجزوم باسم الشرط، فلأنَّ الفعل "يتَّقِي" معتلُّ الآخر لذلك فهو يُجزمُ بحذف حرف العلَّة وهي الياء فتبقى القاف -كما هي في أصل الفعل – مكسورة "يتَّقِ".

 

وأمَّا لماذا قرأَ حفصُ القاف ساكنةً فذكروا أنَّ الوجه في ذلك هو نيَّة الجزم، أي أنَّه نزَّل الفعل "يتَّقي" منزلة الصحيح الآخر، فكأنَّه بغير ياء في الأصل هكذا "يتَّقِ" وحيثُ جاء الفعل مجزومًا لذلك فهو يُجزم بالسكون كما تُسكَّن الأفعال الصحيحة إذا سبقها جازم فيُقال مثلًا: من يأكلْ يشبعْ.

 

فمنشأُ تسكين القاف في الفعل "يتَّقْهِ" هو اعتباره بمنزلة الفعل الصحيح فتكون علامة جزمه السكون، وهي –كما قيل لغة لدى بعض العرب- يُسقطون الياء ثم يسكِّنون الحرف الذي قبلها فيُقال مثلًا: لَمْ اشتَرْ طعامًا رغم أنَّ المتعارف هو أنْ يقال: لَمْ أشترِ طعامًا فيجزم الفعل "أشتري" بحذف حرف العلَّة "الياء" وممَّا جاء على هذه اللغة ذلك قولُ الشاعر:

قالتْ سليمى اشتَرْ لنا دقيقا ** واشتْرْ وعجِّلْ خادمًا لبيقا(1)

 

فأسقط الياء من "أشتري" وسكَّن ما قبلها وهي الراء فكأنَّ "أشتري" فعلٌ صحيحٌ آخرُه الراء فيُجزم الفعل بتسكينه.

 

ومن ذلك أيضًا قول الشاعر:

ومَن يتَّقْ فإنَّ اللهَ معْهُ ** ورزقُ الله مؤتابٌ وغادي(2)

 

فالقاف في الفعل "يتَّقْ" تمَّ تسكينُها وكأنَّ ذلك هو علامة جزمها بعد إسقاط الياء.

 

وهناك وجهٌ آخر لقراءة حفص وهو أنَّه استثقل الحركة على القاف لتوالي الحركات حركة التاء والقاف والهاء فسكَّن القاف حتى لا تتوالى في الكلمة حركاتٌ ثلاث، والوجه الأول أرجحُ ظاهرًا.

 

وأمَّا كسر الهاء في قوله: ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ فإنْ كانت الهاء ضميرًا متَّصلًا يعود على لفظ الجلالة المذكور في قوله: ﴿وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ﴾ كما هو الأرجح فواضح، وإنْ كانت الهاء السكتْ هي هاءُ السكت كالهاء في قوله تعالى: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾(3) وقوله تعالى: ﴿قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾(4) فكسرها نشأ عن التقاء الساكنين.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- راجع: التبيان في تفسير القرآن -الشيخ الطّوسي- ج1 / ص466.

2- راجع: تاج العروس -مرتضى الزبيدي- ج1 / ص308.

3- سورة الأنعام / 90.

4- سورة الشعراء / 36.