علة اعتبار الزواج نصف الدينٍ
المسألة:
لماذا جعل الله سبحانه وتعالى الزواج نصف الدين؟، حيث قال النبي (ص): "من تزوّج فقد أحرز نصف دينه فليتقِ الله في النصف الآخر".
الجواب:
لعل منشأ ذلك هو أن الغريزة الجنسيِّة هي أقوى الغرائز في النفس فإذا لم يتم إروائها فإن الإنسان إما أن يعصم نفسه عن الوقوع في الرذيلة وحينئذٍ سيظلُّ في حالةِ اضطراب نظراً لمقاومته لهذه الرغبة الجامحة، وذلك ما سيحرمه من العبادة المتأنية والتدرَّج في معارج الكمال، لانَّ التأني في العبادة وتصفية النفس وتهذيبها والسعي من أجل التحلِّي بمكارم الأخلاق ومحامد الخصال يحتاج إلى هدوء في النفس واستقرارٍ مفقودين نتيجة المقاومة للشعور بالحاجة لإشباع هذه الغريزة المتعاظمة.
ولذلك يظلُّ يُراوح في مكانه غير قادرٍ على السمو بنفسه إلى حيث أراد الله تعالى له من تكامل. وإما أن ينقاد إلى رغبته فيقع في الرذيلة فينتكس ويتقهقر, فكلّما خرج من معصيةٍ وقع في أخرى، وحينئذً يُران على قلبه فيضلَّ طريق الهدى والرشاد ويسلك طريقاً كلما أوغل فيه ازداد بُعداً عن ربِّه ودينه.
فمن وقع في الزنا فإنك لا تنتظر منه التورُّع عما دونه من ذنوب بل إنَّ وقوعه في هذه الفاحشة يقوده غالباً لتجاوز كلِّ الحدود الإلهية مهما تعاظمت فإنْ لم يرتكب واحداً من العظائم فإن ذلك لا ينشأ غالباً عن ورع وتقوى من الله تعالى وإنما ينشأُ عن مانعٍ أو صارف، فإنَّ من يتجاسر فيقع في رذيلة الزنا ثم يُعاود ذلك دون وازع فإنه لن يتورَّع عن غيرها من الذنوب إما لان الوقوع في هذه الموبقة سيبعث في نفسه اليأس من رَوح الله ورحمته أو سيبعث في نفسه الشعور بالاستهتار، وعلى كلا التقديرين سينتج عن ذلك عدم الوقوف عند حدٍّ من حدود الله تعالى.
أما إذا تزوج الإنسان فإن استعداده للتكامل يكون كبيراً، وذلك بعد أن استقرَّت بمستوىً ما نفسُه فلم تعد مشتغلة بهذه الرغبة بعد إشباعها، فإذا كان مكفَّياً أيضاً في مأكله ومشربه وسائر شئون معاشه فإن استعداده حينئذٍ للتكامل سيكون تاماً، إذ لا شيء بعد ذلك يشغله عن ربِّه ودينه.
فالمراد ظاهراً من إحراز نصف الدين بالزواج هو أن الزواج يحول دون الاشتغال بالصارف الأهم عن الاستعداد للتَّدين، فعدم الزواج يمثِّل من مجموع الصوارف عن التديَّن والتكامل نسبة النصف أو تزيد كما في بعض الروايات وتشترك الصوارف الأخرى في بقية النسبة. والتي يشكل البطن ومقتضياته النسبة الأكبر من بقية النسبة.
ولذلك ورد في الروايات عن الرسول (ص) ان أكثر ما يُدخل النار هو الأجوفان البطن والفرج، وورد: "ان أفضل العبادة عفة البطن والفرج".
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور