حكم الوشم والتزجيج


المسألة:

لماذا حرم الوشم مع ذكر الدليل؟

الجواب:

روى الشيخ الصدوق في معاني الاخبار بسنده عن علي بن غراب عن جعفر بن محمد عن آبائه (ع) قال: "لعن رسول الله (ص) النامصة والمنتمصة والواشرة والمتوشرة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة"(1).

والمراد من النامصة هي من تمتهن تزجيج الحواجب وإزالة شعر الوجه واليد مثلاً عن المرأة لغرض تزيينها، والمنتمصة هي مَن يُفعل بها ذلك.

والمراد من الواشرة هي من تُزيَّن أسنان المرأة بتحديدها وتفليجها وتنظيمها وحكَّ ما زاد منها أو طال لأظهارها في مظهرٍ حسن.

والمراد من الواصلة هي من تصل شعر المرأة بشعر امرأةٍ أخرى حتى يبدو طويلاً متناسقًا، والمستوصلة هي مَن يُفعل بها ذلك.

والمراد من الواشمة هي من تشمُ يد المرأة أو شيءٍ من بدنها، وذلك بأن تغرز بالإبر في الموضع الذي يُراد وشمه ثم تحشوه بالكحل أو النورة أو غيره فيخضر الموضع فيكتسب الموضع من ذلك جمالاً، والمستوشمة هي من يُفعل بها ذلك.

وحرمة هذه الأفعال مختصة بما لو أوجب ذلك التدليس على الخاطب أي غش مَن يتقدم لخطبة امرأةٍ وإيهامه بأنَّ هذه المرأة واجدةٌ لجمال مفقودٍ واقعًا، وأما لو فعلت المرأة كلَّ ذلك لغرض التزّيُن لزوجها فلا مانع منه.

ويؤيد ذلك ما روي عن سعد الاسكاف عن أبي جعفر (ع) أنه قال: "لا بأس على المرأة بما تزيَّنت به لزوجها قال: فقلتُ بلغنا أنَّ رسول الله (ص) لعن الواصلة والموصولة فقال (ع): ليس هناك .."(2).

وكذلك يؤيده ما روي في قرب الإسناد عن علي بن جعفر أنَّه سأل أخاه موسى بن جعفر (ع) عن المرأة التي تحفُّ الشعر من وجهها قال (ع): لا بأس(3).

وأما ما استدل به بعض علماء العامة على الحرمة من أنَّ الوشم وكذلك التزجيج للحواجب والتفليج للاسنان من التغيير لخلق الله تعالى والذي هو منهي عنه لأنه من أمر الشيطان كما قال تعالى: ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا / لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا / وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا﴾(4).

فالجواب أنه لا ريب في حرمة تغيير خلق الله تعالى إلا أنَّ مثل الوشم والتزجيج ليس من التغيير لخلق الله تعالى، ولو كان ذلك من التغيير للزم البناء على ما لا يلتزم به أحد من الفقهاء، فحلق الرأس والختان وتقليم الأظفار وقصُّ الشوارب وكذلك تشذيب أغصان الأشجار أو تقطيعها وتصييرها أخشابًا وسهامًا وأقلامًا وتحويل الطين إلى أكواب وأوانٍ، كلُّ ذلك وغيره من التغيير لمخلوقات الله تعالى عمَّا كانت عليه في خلقتها الأولى. ولا شيء من ذلك محرم دون ريب.

فالتغيير المحرم هو التغيير لمقتضات الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها قال تعالى: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾(5).

وهذا المعنى هو المروي عن أهل البيت (ع) حيث فسَّروا التغيير لخلق الله بالتغيير لدين الله وأمر وشرائعه(6).

لذلك يصح التمثيل للتغيير لخلق الله بالمُثلة والإخصاء والجبَّ وكذلك يصح التمثيل له باللواط وتشبُّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، فإنّ كل ذلك منافٍ لمقتضيات الجبلَّة التي خُلق الإنسان مفطورًا عليها.

ولعلنا نتصدى لتفصيل المراد من الآية في وقتٍ لاحق.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

 

1- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 17 ص 133.

2- وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 17 ص 131.

3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 17 ص 133.

4- سورة النساء/ 117-119.

5- سورة الروم / 30.

6- تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج 1 ص 276.