التقليد في المستحبات


المسألة:

هل يجب التقليد في المستحبات؟

الجواب:

إذا كان استحباب الشيء ثابت بالضرورة الفقهية فلا يجب التقليد فيه، وذلك مثل استحباب النوافل الراتبة كنافلة الليل أو نافلة المغرب وأما إذا لم تكن كذلك فهنا صور:

الصورة الأولى: أن يحتمل المكلَّف أنَّ الفعل إما أن يكون واجباً أو مستحباً أو حراماً، وذلك مثل صلاة الجمعة فإنه يُحتمل أن تكون واجبة كما يحتمل أن تكون مستحبة، ويحتمل أيضا أن تكون محرمة في عصر الغيبة.

ففي مثل هذه الصورة يلزم المكلف العامي التقليد لتعيين الوظيفة الشرعية، إذ مع افتراض احتمال الحرمة أو الوجوب لابدَّ من تحصيل المؤمِّن عنها ولا مؤمِّن عن ذلك لغير المجتهد في الفرض المذكور سوى التقليد، لأن إجراء أصالة البراءة في الشبهات الحكمية من وظائف المجتهد، كما أنه لا يمكنه الاحتياط بالفعل أو الترك لافتراض أنه لو جاء بالفعل لاحتمل أن يكون ما جاء به محرماً ولو تركه لاحتمل أن ما تركه كان واجباً فلا محيص عن التقليد لتعيين الوظيفة.

الصورة الثانية: أن يحتمل المكلَّف أنَّ الفعل إما أن يكون محرماً أو مستحباً، ويمكن التمثيل له بصوم عاشوراء، فلأن الروايات مفاد بعضها استحباب صوم عاشوراء ومفاد البعض الآخر حرمة صوم عاشوراء لذلك يَحتملُ المكلَّف أن الحرمة هي الحكم الواقعي لصوم عاشوراء كما يحتمل أن الاستحباب هو الحكم الواقعي.

وفي مثل هذه الصورة يلزم المكلَّف أما التقليد إذا أراد تحديد الوظيفة الشرعية المناطة به أو الاحتياط بالترك، أما أن يُرجِّح أحد الأمرين أو يُجري البراءة عن الحرمة فذلك غير سائغٍ له بعد افتراض عدم اجتهاده ولأن ترجيح رواية على أخرى وكذلك إجراء الأصول في الشبهات الحكمية من شئون الفقيه، فلا مؤمن له عن الحرمة المحتمَلة إلا التقليد أو الاحتياط بترك الفعل.

الصورة الثالثة: أن يَحتمل المكلَّف أن الفعل إما أن يكون واجباً أو مستحباً كما لو احتمَل وجوب العمرة المفردة على الآفاقي أو استحبابها.

وفي مثل هذه الصورة يصح للمكلَّف أن يأتي بالفعل برجاء الوجوب أو رجاء المطلوبية، وذلك لعدم وجوب الامتثال التفصيلي وقصد الوجه حتى مع إمكانية تحصيل العلم به، وهذا هو الاحتياط في الفرض المذكور.

نعم لا يصح له قصد الوجوب أو قصد الاستحباب دون تقليد، لأن قصد الوجوب أو الاستحباب مع افتراض عدم علمه بذلك وعدم وجود حجة شرعية وهي فتوى المجتهد يكون من التشريع المحرَّم، فلا مناص من التقليد لو أراد قصد الوجه، وهذا بخلاف ما لو قصد حين الإتيان بالفعل الرجاء للمطلوبية أو رجاء الوجوب فإنه لا يكون تشريعا وفي ذات الوقت يكون قصد القربة المعتبرة في العبادات قد تحقَّق منه لأنَّ قصد القربة يعني الإتيان بالفعل مضافاً لله تعالى، وقصدُ الرجاء يُحقِّق ذلك.

ثم انه هل يصح له ترك الفعل في الفرض المذكور؟

الجواب أنه لا يجوز له ترك الفعل دون تقليد وذلك لاحتمال وجوبه ولأن إجراء البراءة من شئون المجتهد دون غيره وعليه فليس له من مؤمِّن يصحِّح له الترك سوى التقليد.

الصورة الرابعة: أن يقطع المكلَّف بعدم وجوب الفعل وعدم حرمته لكنه يحتمل إباحته بالمعنى الأخص كما يحتمل استحبابه وكذلك لو افترضنا احتماله لكراهته.

وفي مثل هذه الصورة لا يجب على المكلف التقليد ويمكنه الإتيان بالفعل برجاء المطلوبية، نعم لا يصح له قصد الاستحباب دون تقليد، لأن ذلك من التشريع المحرَّم، إذ أن المفترض عدم علمه بالاستحباب، وقصد الاستحباب يلازم نسبته إلى الله تعالى، فإذا لم يكن ذلك بحجَّة شرعية تكون النسبة من الافتراء على الله تعالى وهو معنى التشريع الذي نهى الله عنه بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾(1) وكذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ﴾(2).

ومما ذكرناه يتبيَّن أن التقليد في المستحبات يكون لازماً في موارد ثلاثة:

الأوَّل: حين إرادة قصد الاستحباب وافتراض أن المكلف يجزم بعدم الوجوب والحرمة.

الثاني: عندما يدور الأمر بين الوجوب والحرمة والاستحباب، وذلك لعدم إمكان الاحتياط.

الثالث: عندما يدور الأمر بين الحرمة والاستحباب ويكون بناء المكلف العامي على الفعل.

والحمد الله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

8 صفر 1427 هـ

 

1- سورة الإسراء / 36.

2- سورة يونس / 59.