مدلول الكراهة في النص الشرعي
المسألة:
ذهب السيد الخوئي (قدس سره) إلى أن استعمال الكراهة في النصوص يدل على الحرمة، وذلك لأن معنى كره الشيء أبغضه، فتكون دالة على الحرمة بالدلالة الإلزامية لأن لازم المبغوضية الحرمة، فما لم تقم قرينة على الجواز فلابد من الالتزام بالحرمة، هذا ولكن يمكن أن يلاحظ على هذا القول بأن المبغوضية أعم من الحرمة، لأن الحرمة هي تلك الدرجة من المبغوضية التي تمنع من ارتكابها، ولا يعلم أن هذه الدرجة من المبغوضية حاصلة في المورد الذي يغبر فيه عنها بالكراهة، فلعلها مبغوضية بدرجة لا تصل إلى ذلك الحد، والأصل عدم الزيادة، والأصل عدم الحرمة أيضا، فماذا تقولون؟
الجواب:
مبنى السيد الخوئي (رحمه الله) في مدلول الكراهة مناسب لمبناه في مدلول النهي، فهو لا يرى أنَّ النهي يدلُّ بالوضع على الحرمة وإنما يدلُّ بالوضع على الزجر وطلب الترك الأعم من الإلزامي وغيره وإنما تنشأ دلالة النهي على الطلب الإلزامي بواسطة مقدمةٍ خارجية وهي إدراك العقل للزوم الإنتهاء عند نهي المولى (جلَّ وعلا) أداءً لحق الطاعة.
وكذلك هو مبناه في مدلول الأمر فهو لا يدلُّ بالوضع على أكثر من البعث نحو متعلَّق الأمر وطلب فعله، وأما ظهوره في إفادة اللزوم فهو ناشئ عن إدراك العقل للزوم الانبعاث عن بعث المولى جلَّ وعلا.
وعليه فإذا كانت الكراهة تعني المبغوضية فهي تُساوق معنى النهي أي أنَّ مدلول لفظ الكراهة هو النهي عن متعلَّقها، وإذا كان متعلَّق الكراهة منهيَّاً عنه فيلزم بمقتضى إدراك العقل الإنتهاء عنه أداءً لحق الطاعة للمولى إلا أن يرخِّص في ارتكابه.
فكما أنَّه لا يصح ارتكاب متعلَّق النهي المولوي إلا أن يُرخِّص المولى في ارتكابه فكذلك هو متعلَّق الكراهة. وبتعبير آخر إنَّ مادة الكراهة المستعملة في النص الشرعي هي في المآل من أدوات النهي لذلك يمكن تقريب دلالتها على الحرمة بنفس التقريب الذي يُستدل به على دلالة النهي على الحرمة.
نعم لو كانت الحرمة المستفادة من النهي ناشئة عن الوضع فحينئذٍ لا يصح البناء على إفادة الكراهة للحرمة إلا بعد مراجعة ما هو الموضوع له لفظ الكراهة إلا أنَّ الأمر لم يكن كذلك بحسب مبنى السيد الخوئي رحمه الله تعالى.
هذا مضافاً إلى أنَّه يمكن الإدعاء بأن المُستظهر عرفاً من مدلول لفظ الكراهة هو المنع المساوق للتحريم وأنَّ الذي نشأ عنه التوقُّف فيما هو المُفاد من لفظ الكراهة هو ما استجدَّ من اصطلاح. ويمكن تأييد ذلك بالعديد من الاستعمالات للفظ الكراهة في الإلزام.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور