حكم الاستعاذة من أرذل العمر
المسألة:
ما هو المراد من أرذل العمر؟ وهل يجوز للإنسان أن يستعيذ بالله من (أرذل العمر) علما أن هذه المرحلة قد تكون حطة لذنوبه وكفارة لمعاصيه قبل ولوج القبر؟
الجواب:
المراد من أرذل العمر هو أسوؤه وأشدُّه ضِعةً وخِسَّه، ذلك لأنَّ الإنسان يفقد في هذه المرحلة من العمر القدرةَ على الإستقلال بنفسه في قضاء حوائجه، وذلك لإنهيار قواه، فهو إنْ لم يفقد في هذا السن سمعه وبصره وعقله وقدرته على المشي والحركة فإنَّها تبلغ من الضعف حداً بحيثُ لا ينتفع منها بالقدْر المناسب لعزَّته وكرامته، وأسوأ ما يُبتلى به من بلغ أرذل العمر هو ضعف قواه العقليَّة، ولعلَّه لذلك كانت هي مورد التنويه في الآية المباركة: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾(1) فهو يفقد ما كان قد علِمه وفهِمه في حياته، فيصبح شأنُه في مستوى وعيه ومداركه شأنَ الطفل الصغير حتى ورد في بعض الروايات كما في الخصال: "انَّ أرذل العمر أنْ يكون عقلُه عقل ابن سبع سنين"(2) هذا إنْ بقي له عقلٌ ولم يُبتلَ بالخرف والذي هو تعبير آخر عن الجنون، ولعلَّ ما أفادته الرواية هو بيان الحدِّ الأول لأرذل العمر وقد يتعقَّبه الفقدان لتمام العقل.
وأما حكم الاستعاذة من أرذل العمر فجائز بل يحسن بالمؤمن الاستعاذة بالله تعالى من أرذل العمر، لأنَّ الاستعاذة منه قد وردت في عددٍ من الأدعية المأثورة في طرقنا وطرق العامة عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع):
فممَّا ورد في ذلك ما رُوي من كلمات كان النبيُّ (ص) يستعيذ بها وهي: " اللهم إنِّي أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أنْ أُردَّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر"(3).
ومنه: ما رُوي عن الإمام زين العابدين (ع): "اللهم عافني واعفُ عني، وسدّدني واهدني، وقِني شحَّ نفسي، وبارك لي فيما رزقتني، وأعنِّي على ما كلَّفتني، وقِني عذاب النار، اللهم إنِّي أعوذ بك من الفخر والكِبر، وأعوذ بك أنْ أُردَّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا والآخرة وعذاب النار"(4).
وكذلك ورد في الأدعية المأثورة الاستعاذة من الهرم، والظاهر انَّ المراد منه أرذل العمر، فمن ذلك ما رواه الكليني في الكافي بسنده عن ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّه كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ امْلأْ قَلْبِي حُبّاً لَكَ وخَشْيَةً مِنْكَ وتَصْدِيقاً وإِيمَاناً بِكَ وفَرَقاً مِنْكَ وشَوْقاً إِلَيْكَ يَا ذَا الْجَلَالِ والإِكْرَامِ" (5).
إلى أنْ قال: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ والْهَرَمِ والْجُبْنِ والْبُخْلِ والْغَفْلَةِ والْقَسْوَةِ والْفَتْرَةِ والْمَسْكَنَةِ "
وكذلك ورد ما يُعبِّر عن انَّ الهرَم من الابتلاء الذي يحسُنُ بالمؤمن أنْ يسأل الله تعالى العافية منه، فقد روى الشيخ الطوسي في التهذيب بسنده عن سلام المكي عن أبي جعفر (ع) قال: أتى رجلٌ إلى النبيِّ (ص) يُقال له شيبة الهذيل فقال: يا رسول الله إنِّي شيخٌ قد كبُر سنِّي وضعفت قوتي عن عملٍ كنتُ قد عودتُه نفسي من صلاةٍ وصيامٍ وحجٍّ وجهاد، فعلِّمني يا رسول الله كلاماً ينفعني اللهُ به وخفِّف عليَّ يا رسول الله فقال: أعدْ، فأعاد ثلاث مرات، فقال له رسول الله (ص): ما حولك شجرةٌ ولا مدرةٌ إلا وقد بكت من رحمتك، فإذا صليتَ الصبح فقل عشر مرَّات: (سبحان اللهِ العظيمِ وبحمده لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العليِّ العظيم) فانَّ الله يعافيك بذلك من العمى والجنون والجذام والفقر والهرم .."(6).
فإنَّ ظاهر الرواية انَّ الهرم شأنُه شأن العمى والجنون والجذام والفقر من الإبتلاءات التي يحسُن بالمؤمن انْ يسأل ربَّه العافيةَ منها.
وكذلك ورد عن أمير المؤمنين (ع) دعاء كان يدعو به كثيرا: ".. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَفْتَقِرَ فِي غِنَاكَ أَوْ أَضِلَّ فِي هُدَاكَ أَوْ أُضَامَ فِي سُلْطَانِكَ أَوْ أُضْطَهَدَ والأَمْرُ لَكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَفْسِي أَوَّلَ كَرِيمَةٍ تَنْتَزِعُهَا مِنْ كَرَائِمِي وأَوَّلَ وَدِيعَةٍ تَرْتَجِعُهَا مِنْ وَدَائِعِ نِعَمِكَ عِنْدِي .."(7).
فإنَّ الظاهر من هذا الدعاء الشريف انَّ خيراً للإنسان أنْ يرحل إلى ربِّه قبل إنهيار قِواه التي منها البصر والسمع والعقل والتجلُّد على مثل المشي والإستقلال في القيام بحاجاته، ومن الواضح انَّ من بلغ أرذل العمر يكون قد فقَدَ معظم قِواه التي كان واجداً لها قبل بلوغه لهذا العمر.
وأما انَّ بلوغ هذا العمر يكون حطَّةً للذنوب وكفارة لما كان قد إجترحه الإنسان من أخطاء فصحيح ولكنَّ خيراً من ذلك أنْ يسأل المؤمن ربَّه غفران ذنوبه دون أنْ يبتليه بهذا البلاء، فالمرض وفقد الأولاد مثلاً وكذلك كل مصيبةٍ هي من موجبات حطِّ الذنوب ولكنْ لا يحسُن بالمؤمن أنْ يتمنَّاها لنفسه بل يسألُ الله تعالى العافية منها ويسأله في ذات الوقت الغفران للذنوب.
نعم ورد في بعض الأدعية المأثورة انَّ المؤمن يسأل ربَّه انَّه إنْ كانت عليه ذنوب لا تُغفر إلا بالعقوبة فلتكنْ العقوبة في الدنيا حتى يأتي يوم القيامة وليس عليه ذنب .
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- سورة النحل / 70.
2- الخصال -الشيخ الصدوق- ص 546.
3- كنز العمال -المتقي الهندي- ج 2 ص 200.
4- الصحيفة السجادية (ابطحي) -الإمام زين العابدين (ع)- ص 280.
5- الكافي -الشيخ الكليني- ج 2 ص 586.
6- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج 2 ص 107.
7- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 73 ص 259.