معنى قوله تعالى: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾


المسألة:

في سورة مريم الآية 28: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ الآية ارجو تفسيرها بشكل مفصل وواضح وكم سنةٍ بين وقت السيدة مريم العذراء (ع) موسي وهارون (ع)، ولكم خالص الشكر والتقدير

الجواب:

لا ريب انَّ هارون النبي الذي كان أخاً لموسى (ع) لم يكن أخاً لمريم (ع)، ولا يختلف أحدٌ في ذلك من المفسِّرين والمحدِّثين من الفريقين، فإنَّ بين مريم ابنة عمران (ع) وهارون النبي (ع) زهاءَ الألف عام.

وأما مَن هو المراد من هارون في قوله تعالى على لسان بني إسرائيل: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ فذُكر لذلك عدَّة أقوال:

القول الأول: إنَّ هارون المذكور في الآية هو أخٌ لمريم (ع) حقيقةً من أبيها، فكان مسمَّى باسم هارون النبي (ع) ولم يكن هو ذاته، ويُؤيِّد ذلك ما رُوي عن النبي (ص) حين سُئل عن هارون المذكور في الآية قال: " أنَّهم -أي بني إسرائيل- كانوا يُسمون بأسمائهم وبالصالحين الذين كانوا قبلهم"(1) أي انَّهم كانوا يتسمَّون ويُسمُّون أبناءهم بأسماء الأنبياء والصالحين الذين سبقوهم.

وقد كان هذا المسمَّى بهارون والذي كان أخاً لمريم من أبيها معروفاً بالصلاح والعفاف فأراد بنو إسرائيل من نسبتها إليه بقولهم: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ التوبيخ والتبكيت لمريم (ع) حيث انَّها ارتكبت بزعمهم فعلاً شنيعاً لا يتناسب مع ما عليه أُسرتها من الصلاح والعفاف، فلم يكن هارون أخوها يتعاطى الفجور، ولم يكن أبوها إمرء سوءٍ ولم تكن أُمّها بغيَّاً فكيف صار لها أن تخرج عن سَمتهم وتجترح هذه الفاحشة بزعمهم، فكانت غايتهم من قولهم: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ هو التوبيخ والتقريع.

القول الثاني: إنَّ هارون المذكور في الآية لم يكن أخاً لمريم (ع) حقيقة وإنَّما كان رجلاً صالحاً من بني إسرائيل، وكان يُضرب به المثل في الصلاح والعفاف، فكانوا إذا أرادوا انْ يصفوا أحداً بالصلاح قالوا هو أخٌ لهارون كما يُقال لمن يُراد وصفه بالكرم هذا أخٌ لحاتم الطائي أي أنَّه شبيهٌ لحاتم في الكرم وذاك شبيهٌ لهارون في الصلاح والعفاف، فقولهم: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾(2) معناه يا شبيهة هارون في الصلاح والعفاف كيف وقعت في هذه الخطيئة؟! فمثُلك لا يليق به اجتراح هذا الفعل المستقبَح!!

القول الثالث: إنَّ المراد من هارون في الآية المذكورة هو عينُه هارون الذي كان أخاً لموسى (ع) والمقصود من قولهم: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ هو تذكيرها بنسبها حيث انَّها تنحدر من نسل هارون النبي (ع) والذي لا يليق بمَن ينحدر من نسله ارتكاب مثل هذا الفعل الشنيع.

فقولهم: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ كقول العرب للرجل: "يا اخا تميم" و"يا أخا ربيعة" و"يا أخا هاشم" يقصدون من ذلك نسبته إلى قبيلة تميم وقبيلة ربيعة وقبيلة هاشم، فقولهم مثلاً: "يا أخا تميم" معناه أيُّها الرجل المنحدر من سلالة تميم والذي هو رأس القبيلة والأب الأول الذي تنتسب إليه كلُّ أفراد القبيلة.

وقد استعمل القرآن ذلك في مثل قوله تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا﴾(3) وقوله تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾(4) فإنَّ معنى ذلك انَّ هوداً (ع) كان منحدراً من سلالة عاد وهو الأب الذي تنتسب إليه قبيلة عاد، وانَّ صالحاً (ع) كان منحدراً من سلالة ثمود وهو الأب الذي تنتسب إليه قبيلة ثمود.

هذه هي عمدة الأقوال في بيان معنى قوله تعالى على لسان بني إسرائيل: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ وهي جميعاً متَّفقة على انَّ هارون النبي (ع) لم يكن أخاً للسيدة مريم (ع) فإنَّ بينهما من الزمن زهاء الألف عام.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- المعجم الكبير -الطبراني- ج 20 ص 411.

2- سورة مريم / 28.

3- سورة هود / 50.

4- سورة هود / 61.